(بِخَيْلِكَ) أي بجماعة من فرسانك ، ومنه قول النبي عليهالسلام : «يا خيل الله اركبي» (١)(وَرَجِلِكَ) بكسر الجيم وسكونها (٢) ، أي وبمشاتك وهو اسم جمع للراجل ، يعني أجمع عليهم مكرك وحيلك ما أمكنك فلن أعجز عن منعك ومنعهم إذا شئت أنا (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) المحرمة كالربا والغصوب أو ما جعلوا من الحرث والأنعام نصيبا لشركائهم ، قيل : كل طعام لم يذكر اسم الله تعالى عليه فللشيطان شركة فيه وفي (وَالْأَوْلادِ) من الزنا أو بتسميتهم عبد الحارث وعبد العزى (٣) ، وقيل : «هو تهويدهم وتمجيسهم وتنصيرهم» (٤) ، وقيل : كل معصية بسبب الولد (٥) ، قيل : «إن الشيطان يقعد على ذكر الرجل عند الجماع فان لم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وأنزل فرجها كما ينزل الرجل» (٦) ، وقال رجل لابن عباس : إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار ، قال : «ذلك من وطئ الجن» (٧)(وَعِدْهُمْ) أي قل لهم بأن لا جنة ولا نار أوعدهم بالوعد الجميل في طاعتك من الأكاذيب (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [٦٤] وهو تزيين الباطل في صورة الحق ، قيل : كيف جاز ذكر الله هذه الأشياء ، فان أمره تعالى إبليس ذلك ، فهذا (٨) تسليط على عباده بالإغواء ، وهو يقول : إن الله لا يأمر بالفحشاء ، أجيب عنه بأن ذكره إياها على طريق التهديد والخذلان والتخلية كقوله تعالى للعصاة (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٩).
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي حجة وتولية ، يعني لا تقدر على إغواء عبادي الصالحين المعصومين (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [٦٥] أي حافظا لهم إذا اعتمدوا عليه وتوكلوا به في كل أمر كالاستعاذة منك ومن شرك.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦))
ثم ذكر ما يحملهم على إطاعة الرحمن واجتناب إطاعة الشيطان فقال (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي) أي يسوق (لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا) أي لتطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [٦٦] بالحفظ عن الهلاك والضلال.
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧))
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) أي الخوف من الغرق (فِي الْبَحْرِ ضَلَّ) أي غاب (مَنْ تَدْعُونَ) أي تعبدونه من الآلهة (إِلَّا إِيَّاهُ) استثناء متصل ، أي ذهب عن قلوبكم كل ما يستغاث به إلا الله وحده أو منفصل ومعناه : ضل كل الأصنام التي هن آلهتكم لكن الله هو الذي ترجونه لصرف النوائب عنكم فتخلصون بالدعاء له (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ) أي أهوال البحر (أَعْرَضْتُمْ) عن الإيمان بالله تعالى وترك التضرع إليه ورجعتم إلى عبادة الأصنام (وَكانَ الْإِنْسانُ) أي الكافر (كَفُوراً) [٦٧] أي جحودا لأنعم ربه ، والعاقل من يستوي خوفه في البر والبحر كما يستوي قدرة ربه فيهما.
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨))
(أَفَأَمِنْتُمْ) الهمزة فيه للإنكار ، أي أنجوتم من الخوف فآمنتم (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) أي يغور بكم إلى الأرض السفلي كقارون وأصحابه ، ويجوز أن يكون جانب البر منصوبا بأنه مفعول به ، و (بِكُمْ) نصب
__________________
(١) انظر الكشاف ، ٣ / ١٨٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٢) «ورجلك» : قرأ حفص بكسر الحجيم ، وغيره باسكانها. البدور الزاهرة ، ١٨٧.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٧٦.
(٤) عن الحسن وقتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٠٨.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧٦.
(٦) عن جعفر بن محمد ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٠٨.
(٧) انظر البغوي ، ٣ / ٥٠٨.
(٨) فهذا ، س : ـ ب م.
(٩) فصلت (٤١) ، ٤٠ ؛ أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦.