أو لعن أصحابها إلا فتنة لهم ، وهي شجرة الزقوم ، يقال لكل شيء كريه الطعم ملعون ، وهي مذكورة (فِي الْقُرْآنِ) حيث قال (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ)(١) ، والفتنة من الشجرة الملعونة من وجهين ، أحدهما أن أبا جهل ، قال إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم زعم أنها تنبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة ، وثانيهما أن عبد الله بن الزبعري قال : إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر ، فقال أبو جهل : يا جارية زقمينا فأتينا بالزبد والتمر ، فأتت بهما ، فقال : يا قوم تزقموا فان هذا مما يخوفكم به محمد ، فصار ذلك فتنة وبلية لهم ، ولو نظروا نظر الصحيح لما استبعدوا ذلك من قدرة الله تعالى كأكل النعامة النار والحديد المحمى (وَنُخَوِّفُهُمْ) أي نخوف أهل مكة بذكر الشجرة الملعونة ليؤمنوا (فَما يَزِيدُهُمْ) تخويفنا (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) [٦٠] أي إلا تمردا عظيما وتماديا في المعصية فكيف يخاف قوم هذه صفتهم بارسال ما يسألون عنك من الآيات يا محمد.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢))
ثم قال إيماء لهم إلى أن التمرد من أمر الله لا ينفع صاحبه كما لم ينفع (٢) لإبليس (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قالوا : الظاهر أنه تعالى قاله قبل أكل آدم من الشجرة (٣)(فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فانه أبى عن السجود لآدم تكبرا (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [٦١] نصبه حال من «من» ، والعامل فيه «اسجدوا» على تقدير (٤) أأسجد (٥) له وهو طين في الأصل أو من الضمير المحذوف العائد إليه على (أَأَسْجُدُ) لم كان في وقت خلقته طينا ، ولما أمر بالسجود لآدم (قالَ) إبليس متعظما عليه (أَرَأَيْتَكَ) أي أخبرني يا رب ، والكاف لتأكيد المخاطبة (٦)(هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ) أي فضلت ، يعني أخبرني عنه لم فضلته (عَلَيَّ) وأنا خير منه ، لأنه خلق من طين وأنا خلقت من نار ، وقد بين فساد قياسه في سورة الأعراف ، ثم ابتدأ فقال (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) أي أمهلتني (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ) أي لأستأصلن (ذُرِّيَّتَهُ) بالإضلال يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله ، يعني لأستزلنهم عن طريقك المستقيم حيث شئت (إِلَّا قَلِيلاً) [٦٢] أي المعصومين منك ، قيل : من أين علم أن ذلك يتسهل له وهو من الغيب؟ أجيب بأنه علمه من قول الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ)(٧) ، وقيل : علمه من الملائكة الذين أخبرهم الله تعالى بأنه سيضله (٨) ، وقيل : أدركه من كونه خلقا شهوانيا بنظر الفراسة إليه (٩).
(قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣))
(قالَ) الله تعالى تهديدا له وتحذيرا منه (اذْهَبْ) أي امض لشأنك الذي اخترته خذلانا (فَمَنْ تَبِعَكَ) أي أطاعك (مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) أي جزاؤك وجزاء أتباعك ، وفيه تغليب المخاطب على الغائب وتنصب على المصدر أو على الحال ، قوله (جَزاءً مَوْفُوراً) [٦٣] أي تجزون (١٠) جزاء وافرا مكملا لا يفتر عنكم.
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤))
(وَاسْتَفْزِزْ) أي حرك واستزل (مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) أي من ذرية آدم (بِصَوْتِكَ) أي بدعائك إلى معصية الله ، فكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس (وَأَجْلِبْ) أي صح بصيحتك (عَلَيْهِمْ) من الجلبة وهي الصياح
__________________
(١) الدخان (٤٤) ، ٤٣ ـ ٤٤.
(٢) لم ينفع ، ب س : لا ينفع ، م.
(٣) قالوا الظاهر أنه تعالى قاله قبل أكل آدم من الشجرة ، ب س : ـ م.
(٤) تقدير ، م : ـ ب س ؛ س ، + معنى.
(٥) أأسجد ، ب م : أسجد ، س.
(٦) المخاطبة ، ب : المحافظة ، س م ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٠٧.
(٧) البقرة (٢) ، ٣٠. وهذا مأخوذ عن الكشاف ، ٣ / ١٨٥.
(٨) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٨٥.
(٩) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ١٨٥.
(١٠) تجزون ، ب س : يجزون ، م.