على الحال ، أي يقلب (١) جانب البر وأنتم عليه ، والمراد من (جانِبَ الْبَرِّ) جميع الجهات الست ، إذ لا اختصاص لقدرته تعالى بمكان دون مكان (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) وهي الريح التي تحصب أي ترمي الحصاء ، يعني يمطر (٢) حجارة من السماء كما أمطر على قوم لوط (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) [٦٨] أي مانعا يمنعكم من عذابه.
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩))
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي في البحر (تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) وهو الريح الشديدة التي تتقصف أي تتكسر في هبوبها ولا تمر بشيء إلا بقصفه ، يعني تدق كل شيء وتحطمه (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) بالله تعالى وبنعمته (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ) أي بما فعلنا (تَبِيعاً) [٦٩] أي تابعا لنا يطلب من ثأركم انتصارا لكم ، قرئ في الأفعال الخمسة «يخسف» و «يرسل» و «يعيدكم» و «فيرسل» و «فيغرق» بالنون لقوله (عَلَيْنا) وبالياء لقوله (إِلَّا إِيَّاهُ)(٣).
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١))
ثم ذكر ما يدل على وجوب شكر الله تعالى بقوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) من التكريم وهو أبلغ من الإكرام لاقتضاء ذلك التكرير دون هذا ، وفي ذكر (كَرَّمْنا) تغليب للبر على الفاجر ، أي كرمناهم كافرين كانوا أو مؤمنين على البهائم وهو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض ، وقيل : «بالعقل» (٤) ، وقيل : «بالنطق» (٥) ، وقيل : بحسن الصورة (٦) ، وقيل : كرم الله الرجال باللحي والنساء بالذوائب (٧) ، وقيل : «بتعديل القامة وامتدادها ، لأن الدواب خلقت منكبة على وجوهها» (٨) ، وقيل : بتدبير أمر المعاش والمعاد (٩) ، وقيل : بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم (١٠)(وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الدواب (وَالْبَحْرِ) على السفن (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من لذيذ المطاعم والمشارب ، وقيل : «من السمن والعسل والزبد والتمر» (١١) ، وجعل رزق غيرهم مما لا يخفى كالتبن والشعير (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [٧٠] ظاهر الآية يدل على أنهم فضلوا على كثير من خلقه لا على الكل ، وإنهم فضلوا على غيرهم من ذوي العقل أيضا ، لأن من لمن يعقل ، وأجمعوا على أنهم مفضلون على جميع المخلوقات سوى الملائكة ، وفي تفضيلهم على الملائكة اختلاف ، قال قوم : هم مفضلون عليهم أيضا ، فوضع «الأكثر» موضع الكل ، واستدلوا بقوله عليهالسلام : «لما خلق آدم وذريته قالت الملائكة : يا ربنا خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة ، فقال تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان» (١٢) ، وبعضهم فضل الملائكة كلهم على بني آدم ، والأولى : أن يقال عوام الملائكة أفضل من عوام
__________________
(١) يقلب ، ب س : تقلب ، م.
(٢) يمطر ، ب م : تمطر ، س.
(٣) «أن يخسف» ، «أو يرسل» ، «أن يعيدكم» ، «فيرسل» ، «فيغرقكم» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون في الأفعال الخمسة ، وقرأ أبو جعفر ورويس بالياء في الأفعال الأربعة وبتاء التأنيث في الخامس ، والباقون بالياء التحتية في الأفعال الخمسة. البدور الزاهرة ، ١٨٧.
(٤) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٥١٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٧٧ (عن الضحاك).
(٥) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٣ / ٥١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٨٦.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٨٦.
(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥١٠.
(٨) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٣ / ٥١٠.
(٩) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٣ / ١٨٦.
(١٠) نقله عن الكشاف ، ٣ / ١٨٦.
(١١) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٣ / ٥١٠.
(١٢) انظر البغوي ، ٣ / ٥١١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.