منه ضم اليد اليمنى إلى نفسه ، وفي قوله (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(١) هو ضم اليد اليسرى إليه (٢)(مِنَ الرَّهْبِ) بفتح الهاء وسكونه بعد الفتح وسكونه بعد الضم (٣) الخوف ، أي إذا خفت شيئا فضم يدك إليك لأن اليد للإنسان كالجناح للطير ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى فقد ضم جناحه إليه ، قال مجاهد رضي الله عنه : «من فزع فرد جناحه إليه ذهب عنه الخوف» (٤) ، روي : أنه رأى بياض يده فخاف فأمر بذلك فعادت كحالها (٥) ، وقيل : ضم الجناح استعارة للتجلد والتثبت (٦) ، أي أنه أمر بالثبات والصبر (فَذانِكَ) بالتخفيف والتشديد (٧) ، أي الاثنان المشار إليهما وهما اليد والعصا (بُرْهانانِ) أي حجتان (مِنْ رَبِّكَ) مرسلا بهما (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) وسميت الحجة برهانا لوضوحها من قولهم امرأة برهرهة بتكرير العين واللام ، وهي البيضاء الشابة التي كأنها ترعد رطوبة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [٣٢] أي عاصين الله تعالى بعبادة غيره.
(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣))
(قالَ) موسى يا (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [٣٣] أي أن يقتلون نفسي به.
(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤))
(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ) أي أبين وألحن (مِنِّي لِساناً) وكان في لسان موسى عقدة من النار التي أدخلها في فيه (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) بالهمز وبغيره للتخفيف (٨) ، أي معينا لي رسالتك (يُصَدِّقُنِي) بزيادة البيان ، قرئ «يصدقني» بالرفع صفة أو حال بعد حال ، وبالجزم (٩) جواب ل «أرسله» ، ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه في محمل النظر والمجادلة إن احتاج إليه لاثبات دعواه لا أن يقول له صدقت أو للجماعة صدقوه أو هو صدق يدل عليه قوله (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) ، لأنه هذا يقدر عليه الفصيح وغيره (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [٣٤] أي فرعون وقومه.
(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥))
(قالَ) الله تعالى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ) أي سنقويك ونعينك (بِأَخِيكَ) لأن الرجل يقوى بأخيه كقوة اليد بعضدها ، والعضد ما بين المرفق والكتف (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي برهانا وهو اليد والعصا أو غلبة وتسلطا (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) قوله (بِآياتِنا) متعلق ب (نَجْعَلُ) أو ب «لا يصلون» لا ب (الْغالِبُونَ) لامتناع تقوم الصلة على الموصول ، المعنى يمتنعون منكما بآياتنا يعني لا يقدرون على قتلكما ، وقيل : بمحذوف ، أي اذهبا إلى فرعون بآياتنا (١٠)(أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا) بالإيمان (الْغالِبُونَ) [٣٥] على القبط بالحجة.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))
(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا) أي بعلاماتنا (بَيِّناتٍ) أي واضحات في الدلالة على ربوبيتنا ، روي : أنه أراهم
__________________
(١) طه (٢٠) ، ٢٢.
(٢) نقل المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.
(٣) «الرهب» : قرأ الشامي وشعبة والأخوان وخلف بضم الراء وسكون الهاء ، وحفص بفتح الراء وسكون الهاء ، والباقون بفتح الراء والهاء. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٤) انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٣.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٦) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.
(٧) «فذانك» : قرأ المكي والبصري ورويس بتشديد النون مع المد المشبع ، والباقون بتخفيفها. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٨) «ردءا» : قرأ أبو جعفر ونافع بنقل حركة الهمزة إلى الدال مع حذف الهمزة إلا أن أبا جعفر بالنقل أيضا ، والباقون باسكان الدال وهمزة مفتوحة منونة. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٩) «يصدقني» : قرأ عاصم وحمزة برفع القاف ، والباقون باسكانها ، وأجمعوا على إسكان يائه في الحالين. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(١٠) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٢٤.