العلامة من الله وقال إني رسول من رب العالمين (١)(قالُوا ما هذا) أي ليس الذي جئت به وهو ما عاينوه من معجزة موسى (إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي مختلق اختلقته (وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ [٣٦] وَقالَ مُوسى) بالواو مصاحف غير مكة للعطف بين القولين والموازنة في المناظرة وبغير الواو (٢) كما في مصاحف مكة ، لأنه استئناف جواب لسؤال (٣)(رَبِّي أَعْلَمُ) منكم (بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) أي بحال من أهله الله للفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى (مِنْ عِنْدِهِ) أي من عند الله ووعده حسنى العقبى يعني نفسه ولو كان كما تزعمون كاذبا ساحرا لما أهله لذلك ، لأنه غني حكيم (وَ) اعلم أيضا بحال (مَنْ تَكُونُ لَهُ) بالياء والتاء (٤)(عاقِبَةُ الدَّارِ) وهي العاقبة المحمودة ، والمراد ب «الدار» الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وبشارة الملائكة عند الموت (إِنَّهُ) أي إن الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٣٧] بالكذب والسحر والكفر وغيرها من الفساد من عقابه.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨))
(وَقالَ فِرْعَوْنُ) لأهل مصر (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أراد نفي وجوده بنفي العلم عن نفسه ، أي ما لكم من إله غيري في الوجود فلا تطيعوا موسى (فَأَوْقِدْ لِي) نارا (يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أي على اللبن ليصير آجرا وهو أول من عمل به (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي قصرا عاليا طويلا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أي أصعد عليه فأقتله (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) [٣٨] في أن له إلها غيري قاله تمويها على قومه ، قيل : بناه وجعله طويلا بحيث لا يقدر الباني أن يقوم على رأسه ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه ثلاثة آلاف ذراع فصعده فرعون فرمى بنشابه فعادت بالدم فتنة لفرعون ، فقال قتلت إله موسى فضرب جبرائيل الصرح بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة على عسكره فقتلت ألف ألف رجل وأخرى في البحر وأخرى في المغرب (٥).
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩))
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ) أي فرعون (وَجُنُودُهُ) عن الإيمان بموسى (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي بلا حجة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) [٣٩] بالموت ، قرئ معلوما ومجهولا (٦).
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١))
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) أي عاقبناهم في البحر (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [٤٠] وَجَعَلْناهُمْ) أي خذلناهم وصيرناهم ، يعني قوم فرعون (أَئِمَّةً) أي رؤساء (يَدْعُونَ) الجهال (إِلَى) عمل كالكفر والمعاصي من أعمال أهل (النَّارِ) في الدنيا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) هم (لا يُنْصَرُونَ) [٤١] من العذاب.
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢))
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي طردا وإبعادا من الرحمة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) [٤٢] أي المطرودين المبعدين ، يعني المعذبين المهلكين ، يقال قبحه الله إذا أهلكه.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ
__________________
(١) اختصره المصنف من السمرقندي ، ٢ / ٤١٧.
(٢) «وَقالَ مُوسى» : قرأ المكي بحذف الواو قبل «قال» ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٣) لسؤال ، وي : السؤال ، ح.
(٤) «وَمَنْ تَكُونُ» : قرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٤٥.
(٦) «لا يُرْجَعُونَ» : قرأ نافع والأخوان وخلف ويعقوب بفتح الياء وكسر الجيم ، والباقون بضم الياء وفتح الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٤١.