(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
(قالَ) موسى (ذلِكَ) أي ما عاهدتك عليه (بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) «أي» شرط و «ما» زائدة تأكيدا لإبهام «أي» في شياعها ، ف (الْأَجَلَيْنِ) جر باضافة «أي» إليه ، والمعنى : أي أجل (قَضَيْتُ) من الأجلين أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي (١) هو الثماني (فَلا عُدْوانَ) أي لا يعتدى (عَلَيَّ) بطلب الزيادة على أحدهما ، إذ التتمة موكولة إلى رأيي إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ) من الشروط وغيرها (وَكِيلٌ) [٢٨] حفيظ ، وال (وَكِيلٌ) هو الذي وكل إليه الأمر واستعمل في موضع الشاهد فلذا عدي ب (عَلَيَّ) ، روي : أن موسى عليهالسلام تزوج كبراهما صفراء (٢) ، وحكي أن شعيبا عليهالسلام كان كثير البكاء فقال تعالى ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار؟ قال : لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب فلذلك استخدمتك موسى كليمي.
(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩))
(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) أي الأجل المشروط بينهما (وَسارَ بِأَهْلِهِ) نحو مصر بعد مكثه عند شعيب أحد الأجلين ، سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي الأجلين قضى موسى؟ قال : «أبعدهما وتزوج صفراهما» (٣) ، وهذا خلاف الرواية السابقة (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) أي رأى نارا عظيما (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) أي قفوا مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر الطريق (أَوْ جَذْوَةٍ) بكسر الجيم وضمها وفتحها (٤) لغات كلها في قطعة من الجمر (مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [٢٩] من البرد فتركهم في البرية فذهب إليها.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠))
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ) أي من جانب (الْوادِ الْأَيْمَنِ) بالنسبة إلى موسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) بالضم والفتح (٥) لغتان في قطعة من الأرض بلا شجرة ووصفت بالمباركة ، لأن الله كلم فيها موسى ، قوله (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل من (شاطِئِ) ، قيل : هي كانت عنابا (٦) أو عوسجا (٧) ، و (مِنْ) فيهما لابتداء الغاية ، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة ، قوله (أَنْ) مفسرة لأن النداء قول ، أي نودي بأن (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [٣٠].
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١))
قوله (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) عطف على (أَنْ يا مُوسى) ، فألقاها على الأرض (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تتحرك (كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) وقد مر تفسيره (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يلتفت خوفا من الحية فقال تعالى (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) [٣١] من الحية.
(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))
(اسْلُكْ) أي ادخل (يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) أي يدك ، قيل : المراد
__________________
(١) الذي ، ح ي : ـ و.
(٢) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٣٣٩.
(٣) أخرج البخاري نحوه ، الشهادات ، ٢٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٢٢.
(٤) «جذوة» : فتح الجيم عاصم ، وضمها حمزة وخلف ، وكسرها الباقون. البدور الزاهرة ، ٢٤١.
(٥) أخذ المؤلف هذه القراءة عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.
(٦) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٢.
(٧) عن قتادة ومقاتل والكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٢.