وثروة ، وقال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به (١) ، فلما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس ووجد أبوهما أغنامهما حفلا وبطانا ، قال : ما أعجلكما؟ قالتا : رحمنا رجل صالح فسقى غنمنا فقال لإحديهما اذهبي فأدعيه لي.
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥))
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) وهي صفراء (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) منه ، أي واضعة كم درعها على وجهها حياء (قالَتْ) له يا رجل (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) قيل : «لما سمع موسى كلامها أراد ان لا يذهب ولكن كان جائعا فأجابها فمشت بين يديه نحو بيتها فجعلت الريح تصف ردفها وتكشف ساقها فقال امشي خلفي ودليني على الطريق ففعلت» (٢)(فَلَمَّا جاءَهُ) أي جاء موسى شعيبا قال له اجلس فتعش ، فقال معاذ الله فقال شعيب ألست جائعا؟ فقال بلى ، ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سيقت لهما وأنا أهل بيت النبوة ، لأنه كان من أولاد يعقوب لا نطلب على عمل الآخرة عوضا من الدنيا ، فقال شعيب : لا والله يا شاب ولكن الضيافة عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام ، فأكل فعلم من قول موسى ذلك القول أن مشيه معها لم يكن لشدة جوعه ، وعلم من مشيه بخبرها جواز العمل بخبر الواحد والمشي مع الأجنبية كما يعمل في الأخبار بقول الواحد حر أو عبد ذكر أو أنثى في مثل هذا الحال مع ذلك الاحتياط والتورع ، فلما أكل الطعام أخبر شعيبا بحاله (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي المقصوص وهو خوفه من فرعون (قالَ) شعيب عليهالسلام (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٢٥] لأنه لا حكم لفرعون علينا.
(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))
(قالَتْ إِحْداهُما) وهي كبراهما صفراء والصغري صفيراء (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي اتخذه أجيرا يرعى غنمنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [٢٦] هو تحريض على الاستئجار لقوته (٣) وأمانته فأخبرت بهما لأبيهما (٤) حين سألها عنهما بقوله «وما علمك بقوته وأمانته» ، فثم (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) صفراء وصفيراء ، وفيه دليل على أنه كان له غيرهما (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أي تصير أجيرا لي ، وهو شرط لإنكاحها فيكون محله حالا ، أي مشروطا بذلك ، قيل : كان قوله (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) وعدا له بالإنكاح لا عقدا حيث لم يقل أنكحته ولأنه لم يميز بينهما ، وجوز الشافعي رحمهالله التزوج على الإجارة لبعض الأعمال والخدمة وكان ذلك مهرا ومنعه أبو حنيفة رحمهالله ، ولعل ذلك كان جائزا في شريعة شعيب عليهالسلام (٥) ، وقيل : يجوز النكاح والمهر مهر المثل أو قيمة العمل عنده (٦)(ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي ثماني (٧) سنين وهو ظرف للأجر (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي خدمة عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) أي فالتمام من عندك تبرع لا إلزام مني (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) باستخدامي بأن تقسم فكرك باثنين بأن يقول مرة أطيقه ومرة لا أطيقه (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٢٧] أي من الوافين بالشرط ، وقوله «ذلك» يدل على أن شعيبا وعده المسامحة والمساهلة من نفسه ، وإنه لا يشق عليه فيما استأجره له من رعي غنمه ، أي لا أفعل بك كما يفعل المستأجرون (٨) المعاشرون من المناقشة وإلزام أتم الأجلين وإيجابه ، وذلك عادة الأنبياء عليهمالسلام أو أراد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب.
__________________
(١) نقل هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٠.
(٢) عن أبي حازم سلمة بن دينار ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٣٨.
(٣) لقوته ، وي : بقوته ، ح.
(٤) لأبيهما ، ح و : لأبيها ، ي.
(٥) أخذه عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢٢١.
(٦) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٢١.
(٧) ثماني ، ح : ـ وي.
(٨) المستأجرون ، ح ي : المستأجر ، و.