روي : أنه لما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(١) جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي عليهالسلام مع أبي بكر ، فلم تره فقالت لأبي بكر : أين صاحبك؟ لقد بلغني أنه هجاني ، فقال أبو بكر : والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله ، فرجعت ، وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه ، فقال أبو بكر : ما رأتك يا رسول الله ، قال : لا ، لم يزل ملك بيني وبينها يسترني منها (٢).
(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦))
(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطية كراهة (أَنْ يَفْقَهُوهُ) حتى لا يرغبوا في الحق (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا وصمما لئلا يسمعوه (وَإِذا ذَكَرْتَ) يا محمد (رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) أي تقول لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن ، ووحده مصدر ساد مسد الحال من (رَبَّكَ) بمعنى واحدا وحده (وَلَّوْا) أي أعرضوا (عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [٤٦] أي نافرين متباعدين عن الإيمان ، جمع نافر كقعود جمع قاعد ، وذلك حين قال لهم النبي عليهالسلام : «قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتذلل لكم بها العجم» (٣).
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧))
ثم نزل تهديدا لهم وتسلية للنبي عليهالسلام (٤)(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ) أي بالأمر الذي يستمعون القرآن ملتبسين (بِهِ) من اللغو والهزء والمكاء وغيرها وهو في موضع الحال ، ويجوز أن يكون الباء صلة ، أي يطلبون سماعه ، وقوله (إِذْ يَسْتَمِعُونَ) ظرف ل (أَعْلَمُ) ، أي أعلم (٥) وقت استماعهم (إِلَيْكَ) بما يستمعون به وأنت تقرأ القرآن (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) جمع نجي ، أي متناجون في أمرك بأن قال بعضهم هذا مجنون ، وبعضهم هذا ساحر ، وأبدل من (إِذْ هُمْ (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) أي المشركون وهم الوليد بن المغيرة وأصحابه (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [٤٧] أي مطبوبا مغلوب العقل أو له سحر وهو الرئة ، يعنون أنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨))
(انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي الأشباه حيث قالوا ساحر أو مجنون (فَضَلُّوا) أي أخطؤا في المقالة وتحيروا في الطريق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) أي لا يجدون (سَبِيلاً) [٤٨] أي وصولا إلى طريق الحق.
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠))
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا) أي صرنا (عِظاماً وَرُفاتاً) أي حطاما كالفتات بعد الموت وهو ما يكسر ويبلى من كل شيء (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي لمحيون في الآخرة (خَلْقاً جَدِيداً) [٤٩] والاختلاف في قوله (أَإِذا) و (أَإِنَّا) مثل ما ذكر (٦) في الرعد من القراءة (قُلْ) لهم يا محمد توبيخا وتعجيزا (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) [٥٠] في القوة.
(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١))
(أَوْ خَلْقاً) آخر (مِمَّا يَكْبُرُ) أي يعظم (فِي صُدُورِكُمْ) كالسماء والأرض والجبال وغيرها مما لا يقبل الحيوة ثم انظروا باستدلال العقل هل نحن قادرون على أن نجعل الروح في ذلك بعد أن أحييناكم وأوجدناكم من
__________________
(١) تبت (١١١) ، ١.
(٢) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٠٠.
(٣) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧١.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٥) اعلم ، س م : ـ ب.
(٦) ذكر ، ب س : ذكرنا ، م.