العدم ، فانه لا يمتنع علينا جعل الروح فيها وأحياؤها ، وقيل : «المراد من الخلق الآخر الموت ، إذ ليس في نفس آدم شيء أكبر من الموت» (١) ، يعني لو كنتم حجارة يابسة أو حديدا صلبا أو موتا بعينه لأبعثنكم بايجاد الروح فيكم لا نعجز عنه (فَسَيَقُولُونَ) استبعادا (مَنْ يُعِيدُنا) أي من يبعثنا من بعد الموت (قُلِ) لهم يعيدكم (الَّذِي فَطَرَكُمْ) أي أنشأكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ) لأن القادر على الإنشاء قادر على الإنشاء قادر على الإعادة (فَسَيُنْغِضُونَ) أي يحركون (إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها (٢) أو متعجبين من قولك (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) أي البعث أو العذاب يوم القيامة (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ) البعث أو العذاب (قَرِيباً) [٥١] أي هو قريب بارادته ، و (عَسى) من الله للوجوب.
(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))
ثم قالوا يا محمد متى هذا القريب فنزل (٣)(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) أي يعيدكم يوم ينفخ إسرافيل في الصور لدعوتكم من قبوركم بالنفخة الأخيرة فتقومون (٤) للحساب (فَتَسْتَجِيبُونَ) أي فتجيبون (بِحَمْدِهِ) يعني تقصدون (٥) نحو الداعي بأمر الله تعالى أو تقرون بأنه خالقكم وباعثكم وتحمدونه حين لا ينفعكم الحمد أو الخطاب للمؤمنين ، فانهم يبعثون حامدين ، والأول أظهر (وَتَظُنُّونَ) أي تتيقنون (إِنْ لَبِثْتُمْ) في الدنيا أو في القبور (إِلَّا قَلِيلاً) [٥٢] أي يسيرا ، قيل : «يرفع العذاب عنهم فيما بين النفختين ، وبينهما أربعون سنة فينسون العذاب ، فيظنون أنهم لم يلبثوا إلا يسيرا» (٦) ، وهذا يدفع قول من قال إذا وضع الميت في قبره لا يعذب إلى البعث فيظن أنه مكث في القبر قليلا ، وقيل : «يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة» (٧).
(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣))
قوله (وَقُلْ لِعِبادِي) المؤمنين (يَقُولُوا) الخصلة (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) للمشركين ولا يكافئوهم بسفههم ، نزل حين كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٨) ، فأمر الله أن يجيبهم بجواب حسن لين لا خشن ، قيل : هو رد السّلام بلا فحش سلام متاركة (٩) ، وقيل : هو كلمة الإخلاص ، يعني لا إله إلا الله (١٠) ، وقيل : «يهديكم الله» (١١) ، فنسخ بآية السيف (١٢)(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ) أي يفسد (بَيْنَهُمْ) بالقاء العداوة (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) [٥٣] أي ظاهر العداوة ، فاتخذوه عدوا.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤))
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي بأحوالكم يا كفار مكة (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) أي يوفقكم بالتوبة عليكم فتؤمنوا (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) أي يمتكم بالكفر فتعذبوا ، وقيل : هو خطاب للمسلمين (١٣) ، أي إن يشأ يرحمكم فينجكم (١٤) من أهل مكة إذا صبرتم وإن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم إن لم تصبروا (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [٥٤] أي موكولا إليك أمرهم فتجبرهم على الإسلام فدارهم إلى الإذن بالقتال.
__________________
(١) عن مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٠١.
(٢) بها ، ب م : ـ س.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧٢.
(٤) فتقومون ، ب س : فيقومون ، م.
(٥) تقصدون ، ب س : نقصدون ، م.
(٦) عن الكلبي (وروي أيضا عن ابن عباس) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٧٢.
(٧) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٠١.
(٨) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٧٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٤٣ (عن الكلبي) والبغوي ، ٣ / ٥٠٢ (عن الكلبي).
(٩) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧٢.
(١٠) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥٠٢.
(١١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٠٢.
(١٢) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٥٠٢.
(١٣) وهذا الرأي منقول عن القرطبي ، ١٠ / ٢٧٨.
(١٤) فينجكم ، ب س : فينجيكم ، م.