نُفُوراً) [٤١] أي تباعدا عن الحق.
(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢))
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (لَوْ كانَ مَعَهُ) أي مع الله (آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) بالياء والتاء (١)(إِذاً) كلمة تدل على أن ما بعدها جزاء ل (لَوْ) ، وجواب عن مقالة المشركين ، وهو (لَابْتَغَوْا) أي لطلب تلك الآلهة (إِلى ذِي الْعَرْشِ) أي خالق العالمين (سَبِيلاً) [٤٢] بالمغالبة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣))
ثم نزه نفسه عن الشريك بقوله (سُبْحانَهُ) أي نزه تنزيها له (وَتَعالى) أي ارتفع وتعظم (عن ما (يَقُولُونَ) أي المشركون من أن معه شريكا في الألوهية (عُلُوًّا كَبِيراً) [٤٣] أي تعاليا بعيدا متصلا بالاستحالة ، وفي وصف العلو بالكبر المبالغة في البراءة مما قالوه من المحال (٢).
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤))
(تُسَبِّحُ لَهُ) بالياء والتاء (٣)(السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ) بلسان الحال الدال على وجود الخالق وقدرته وحكمته (وَ) يسبح (مَنْ فِيهِنَّ) من الملائكة والإنس والجن بلسان الحال الناطق بما يسمع منهم (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) أي ليس موجود من الحيوانات والناميات (إِلَّا يُسَبِّحُ) بلسان الحال ملتبسا (بِحَمْدِهِ) فينزهه مما لا يجوز عليه من الشرك والولد ، لأن كل شيء يدل على الصانع ووحدانيته (٤) وقدرته وحكمته (٥) ، فكأنها ينطق (٦) بذلك ، قال عكرمة : «الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح» (٧) ، والشجرة أو النبات إذا قطع تسبح ما دام رطبا ، وقيل : «كل الأشياء يسبح لله حيا كان أو جمادا ، وتسبيحها سبحان الله وبحمده» (٨) ، وهذا ممكن عقلا وقدرة ، قيل : «الثوب يسبح ما دام جديدا ، فاذا وسخ ترك التسبيح ، والتراب يسبح ما لم يبتل ، فاذا ابتل ترك التسبيح ، وإن الماء يسبح ما دام جاريا فاذا ركد ترك التسبيح ، وكذا كل حيوان يسبح ما دام يصوت وإذا سكت ترك التسبيح» (٩)(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لأنه ليس بلغتهم أو الخطاب للمشركين (١٠) ، أي لا تعلمون أيها المشركون تسبيح ما عدا من يسبح بألسنتكم لتستوضحوا الدلالة على خالقكم الذي هو الله يجعلكم له شريكا مع إقراركم بأنه خالق السموات والأرض إذا سئلتم عن خالقها لعدم الإقرار الثابت في قلوبكم التي يورث النظر الصحيح على وحدانيته ، والحال أن هذا التسبيح مما يفقهه كل ذي عقل ونظر صحيح (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) حيث لم يعجل بعقوبة من اتخذ معه شريكا (غَفُوراً) [٤٤] لمن تاب منهم إلى التوحيد.
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥))
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أي إذا شرعت يا محمد في قراءته (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث (حِجاباً مَسْتُوراً) [٤٥] يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به والحجاب الأكنة ، والمستور بمعنى الساتر ك «مأتي» بمعنى الآتي في قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(١١) ، وقيل : مستورا عن أعين الناس فلا يرونه (١٢) ،
__________________
(١) «كَما يَقُولُونَ» : قرأ حفص وابن كثير بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ١٨٦.
(٢) وفي وصف العلو بالكبر المبالغة في البراءة مما قالوه من المحال ، ب س : ـ م.
(٣) «تسبح» : قرأ المدنيان والمكي والشامي وشعبة بياء التذكير ، وغيرهم بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١٨٦.
(٤) ووحدانيته ، س : ـ ب م.
(٥) وحكمته ، ب م : ـ س.
(٦) ينطق ، ب س : تنطق ، م.
(٧) انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٩.
(٨) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٩.
(٩) عن المقداد بن معد يكرب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٩٩.
(١٠) لأنه ليس بلغتهم أو الخطاب للمشركين ، ب س : ـ م.
(١١) مريم (١٩) ، ٦١.
(١٢) نقله عن البغوي ، ٣ / ٥٠٠.