جميع الأحوال والأزمان ، وبالنسبة إلى كلّ الأشخاص.
وإذا كان كذلك في كلّ أقواله وأحواله فهو معصوم لا محالة ؛ لأنّ الحركة الاختيارية تابعة للشوق والإرادة ، فإذا لم يؤثر ولم يرد ولم يشتقّ في حال من الأحوال إلى غير الله تعالى ومرضاته ، لم يصدر منه ذنب قطّ ، فكان معصوما.
الثالث والخمسون : الحركات الاختيارية موقوفة على مبادئ أربعة مترتّبة : الإدراك ، ثمّ الشوق المسمّى بالشهوة والغضب ، ثمّ العزم المسمّى بالإرادة الجازمة ، ثمّ القوى المؤتمرة المثبّتة في الأعضاء.
فنقول : الإمام له بالنسبة إلى المعاصي المبدأ الأوّل ؛ لأنّه مكلّف باجتنابه ، فلا بدّ من إدراكه. وله [الآخر] (١) أيضا ؛ وإلّا لم يكن قادرا.
بقي الثاني والثالث ، فنقول : لا بدّ من العلم بانتفاء الثالث عنه ؛ لأنّه لو جوّزناه عليه لجاز أمره به ، ولا يوثق بأنّه المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية ، ولا يعتمد على قوله ، فتنتفي فائدته. وإنّما يعلم بانتفاء الثالث عنه مع العلم بعصمته.
والثاني منتف عنه أيضا ؛ لأنّه يعرف ما يستحقّ عليها من العقاب ، ويستحقر ما يحصل بها للقوى البدنية من اللذّة ؛ لما تقرّر (٢) من أنّه لا التفات له إلى الأمور [البدنية] (٣) والقوى الشهوانية ، بل يتّخذها مستحقرة ، فإن حصّلها كان على سبيل العدل والشرع ، وللتأسّي به ، وليعلم الناس إباحتها وعدم كراهتها لا غير ذلك. فيستحيل الشوق منه إليه.
وإذا تعذّر المبدءان امتنعت الحركة الاختيارية ، فامتنع وقوع المعاصي منه ، فكان معصوما.
__________________
(١) في «أ» و «ب» : (الآخرة) ، وما أثبتناه للسياق.
(٢) تقرّر في الدليل الخامس والأربعين من هذه المائة.
(٣) في «أ» : (الدنية) ، وما أثبتناه من «ب».