وأمّا وجود الصارف ؛ فلأنه عالم بقبحه ، و [يعلم ما] (١) يستحقّ عليه من الذم والعقاب ؛ لأنّه يجب أن يكون عالما بجميع القبائح ؛ لأنّه المبعّد عنها ، ولأنّه أعلم الناس بالله عزوجل ؛ لما تقدّم (٢) ، ولأنّه الداعي للكلّ إليه ، ولا يدعو إلى الشيء إلّا إذا علم به ؛ [لاستحالة] (٣) العكس ، وقال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٤) ، والخشية التامّة صارف عظيم.
فإذا انتفى الداعي ووجد الصارف امتنع الفعل ، وهذا معنى العصمة.
التاسع والأربعون : الناس في العلم بالله وحضورهم وعدم اشتغالهم عن الجانب الإلهي على ثلاثة أقسام :
الأوّل : الذي لا شعور له ولا حضور.
الثاني : الذي له الشعور التامّ للبشر ـ أي الذي يمكن له لا في نفس الأمر ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا لله تعالى ـ والحضور التامّ الممكن للبشر ، وهذا هو صاحب المحبّة المفرطة لله تعالى ، المتلذّذ بإدراكه في غاية اللذّة الممكنة للبشر ، ولذّته به أعظم اللذّات ؛ لأنّ اللذّات تتفاوت في القوّة والضعف بحسب إدراكه المؤثّر من حيث هو مؤثر. [والمؤثّر] (٥) إنّما هو بحسب كماله ، فإذا كان له الكمال الذي لا يتناهى كان مؤثّرا على جميع ما سواه ، فإذا كانت المعرفة به أتمّ كانت اللذّة به وبطاعته أقوى اللذّات ، فيكون متنفّرا عن معصيته غاية التنفّر ، فيكون ذلك معصوما قطعا.
الثالث : المراتب بينهما ، ولا تتناهى بحسب القرب من أحدهما والبعد عنه.
والمحتاج إلى الإمام إنّما هو الأوّل والثالث ؛ لأنّه المفتقر إلى المعاون الخارجي
__________________
(١) في «أ» : (ويعلمها) ، وما أثبتناه من «ب».
(٢) تقدّم في الدليل السادس والأربعين من هذه المائة.
(٣) في «أ» : (لاستحقاقه) ، وما أثبتناه من «ب».
(٤) فاطر : ٢٨.
(٥) من «ب».