يقينا ويعلم منه عدم صدور ذنب منه] (١) ـ فإنّ وعظ من لا يتّعظ لا ينجع (٢) ؛ لأنّ فعله يكذب قوله ـ وذلك ليس إلّا المعصوم.
وإنّما يحصل الأوّل بشيئين :
الأوّل : الفكر اللطيف.
الثاني : جعل النفس لهيبة الله ذات خشوع ورقّة منقطعة عن الشواغل الدنيوية ، معرضة عمّا سوى الحقّ ، جاعلة جميع الهموم همّا واحدا ، وهو طلب وجه الله تعالى لا غير.
وهذا لا يحصل إلّا بمعرفة طريقه يقينا ، وليس ذلك إلّا من المعصوم كما تقدّم من التقرير (٣).
فقد ثبت الاحتياج إلى المعصوم في هذه المراتب كلّها.
إذا تقرّر ذلك فنقول : قد وجد من الله تعالى القادر على جميع المقدورات ، العالم بجميع المعلومات ، إرادة التوكّل ، فيريد ما يتوقّف عليه ؛ لأنّ إرادة المشروط يستلزم إرادة الشرط مع العلم بالتوقّف [واستحالة] (٤) المناقضة ، فيجب نصب المعصوم في كلّ زمان ؛ لوجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف ، فيجب وجود الفعل.
الثامن والثلاثون : اعلم أنّ القوّة الحيوانية التي هي مبدأ الإدراكات والأفاعيل الحيوانية في الإنسان إذا لم يكن لها طاعة القوّة العقلية ملكة كانت بمنزلة بهيمة غير مرتاضة تدعوها شهواتها تارة وغضبها تارة ، اللذان يهيّجهما القوّة المتخيّلة
__________________
(١) من «ب».
(٢) يقال : أنجع إذا نفع. ونجع فيه القول والخطاب والوعظ : عمل فيه ودخل وأثّر. لسان العرب ١٤ : ٥٥ ـ نجع.
(٣) تقدّم في الوجه الأوّل من الدليل الخامس والعشرين ، والدليل السادس والأربعين ، والدليل الخمسين ، وفي الوجه الثاني من الدليل الستّين من المائة الأولى.
(٤) في «أ» : (لاستحالة) ، وما أثبتناه من «ب».