ولأن ينفعل عن الأمور الإلهية.
وإنّما يحصل الأوّل بالزهد الحقيقي المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية ، وذلك لا يتمّ إلّا بالمعصوم كما تقدّم (١).
وإنّما يحصل الثاني بثلاثة أشياء :
الأوّل : بالعبادة المشفوعة بالذكر والفكر في الله تعالى ؛ لأنّ العبادة [تجعل] (٢) البدن بكلّيّته متابعا للنفس ، فإذا كان مع ذلك النفس متوجّهة (٣) إلى جناب الحقّ بالفكر ، صار الإنسان بكلّيته مقبلا على الحقّ ، وإلّا فصارت العبادة سببا للشقاوة كما قال الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٤). وبالعبادة تنجرّ النفس من جناب الغرور إلى جناب الحقّ.
الثاني : بالوعد والوعيد وبالزجر والمؤاخذة على فعل المعاصي ، والمدح على فعل الطاعات والتقرير.
وذلك لا يحصل إلّا بالمعصوم ، فإنّ غيره لا تسكن النفس إليه ولا يحصل الاعتماد عليه ، فلا يحصل الغرض منه. بل معاصيه وخطؤه منفّر عظيم عن قبول قوله ، فيحصل ضدّ الغرض.
الثالث : الكلام المفيد للتصديق بما ينبغي أن يفعل وعمّا ذا ينزّه ، من شخص تسكن النفس إليه يجعلها غالبة على القوى ، ولا يحصل سكون النفس واعتمادها وتصديقها اليقيني الذي يجعلها غالبة على القوى إلّا إذا كان زكيّا يعلم منه [الصدق
__________________
(١) تقدّم في البحث الرابع من المقدمة ، وفي الدليلين السابع والثلاثين والثامن والثلاثين من المائة الأولى.
(٢) في «أ» : (يحصل) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) في «ب» : (متوجّه) بدل : (متوجّهة).
(٤) الماعون : ٤ ـ ٥.