لأنّا نقول : أمّا الجواب عن الأوّل ، فنقول : هذه الآية عامّة في كلّ عصر إجماعا ، ولثبوت الملازمة المذكورة وانتفاء اللازم في كلّ زمان ؛ لأنّه تعالى لا يريد إصلاح الأرض ودفع فسادها في زمان [دون زمان] (١) ، وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح. وبعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله لا بدّ من رئيس [يقهر] (٢) على اتّباع أوامره ونواهيه ، وإلّا لزم المحال المذكور.
وأمّا عن الثاني ، فقد بيّنّا بطلان الجبر (٣).
وقولكم : لا فاعل إلّا الله ، إعذار لإبليس ونفي لفساده وفعله ، وإعذار للمكلّف في صدور الخطأ منه ، وينافيه القرآن المجيد في عدّة مواضع (٤) ، بل القرآن مشحون بإسناد الفعل إلى الآدمي (٥) ، وذم الكفّار (٦) وفاعل الظلم (٧) على ذلك.
__________________
(١) من «ب».
(٢) في «أ» : (تقرير) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) انظر : مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٣٥ ـ ٢٤٠. نهج الحقّ وكشف الصدق : ١٠١ ـ ١٢٠. الباب الحادي عشر : ٢٧.
(٤) كالآيات التي ينزّه الله تعالى فيها نفسه عن ظلم المخلوقين ، كقوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ) (هود : ١٠١) ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصّلت : ٤٦). والآيات التي تنسب الكفر والمعاصي إلى العباد ، كقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (البقرة : ٢٨) ، (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (الأعراف : ١٢) ، (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) (آل عمران : ٧١).
(٥) كالآيات التالية : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (البقرة : ٦٢). (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) (آل عمران : ٣٠). (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) (المؤمنون : ١٠٠). (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (غافر : ٤٠).
(٦) كالآيات التالية : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) (البقرة : ١٢٦). (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) (البقرة : ١٦١). (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ) (البقرة : ١٧١). (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (النور : ٥٥).
(٧) كالآيات التالية : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (النساء : ١٠). (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) (النساء : ١١٠). (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف : ٤٤). (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة : ١٠٩).