الحادي والثلاثون : قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (١) الآية.
وجه الاستدلال : أنّ الملائكة يستحيل عليهم الجهل المركّب (٢) ، وقد حكموا بأنّ وجود غير المعصوم يشتمل على [مفسدة] (٣) ، فأجابهم الله تعالى بقوله : (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٤). معناه أنّ في وجوده من المصالح ما يقتضي ترجيح الوجود على العدم ، [فإذا] (٥) كان وجود غير المعصوم يشتمل على مفسدة ما ، فيكون تحكيمه وتمكينه مع عدم معصوم يقرّبه ويبعّده محض المفسدة القبيحة التي يستحيل صدورها منه تعالى ، فلا يكون إماما.
لا يقال : هذا يدلّ على نقيض مطلوبكم ؛ لأنّه يدلّ على [عدم] (٦) عصمة آدم عليهالسلام ؛ لأنّه تعالى قال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ ...) (٧) إلى آخرها ، والخليفة آدم ، وقولهم إشارة إليه ، وإذا لم يكن النبيّ عليهالسلام معصوما [فالإمام أولى] (٨) ألّا يكون كذلك.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّه يدلّ على عدم عصمة آدم ، فإنّ قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) ، ليس إشارة إلى آدم ، وإنّما هو إشارة إلى من يلده
__________________
(١) البقرة : ٣٠.
(٢) الجهل المركّب : اعتقاد جازم غير مطابق ، سواء كان مستندا إلى شبهة أو تقليد. انظر : قواعد المرام في علم الكلام : ٢٣. المواقف في علم الكلام : ١٤٢.
(٣) في «أ» : (غير معصوم) ، وما أثبتناه من «ب».
(٤) البقرة : ٣٠.
(٥) في «أ» : (إذا) ، وما أثبتناه من «ب».
(٦) من «ب».
(٧) البقرة : ٣٠.
(٨) في «أ» : (فالأولى) ، وما أثبتناه من «ب».