لا يعقل ، والإلزام بحجّيّته ممّا يقطع بفساده ؛ وذلك أنّ الظنّ في حال الانسداد يقوم مقام القطع حال الانفتاح ، فكما لا فرق بين أسباب القطع حال الانفتاح ولا يعقل المنع من بعض أفراد القطع ، كذلك ينبغي ألا يكون فرق بين أسباب الظنّ حال الانسداد ، مع أنّ المنع لو كان معقولا انفتح احتماله في سائر الظنون ، ولا يكون ما يسدّه ، ومع انفتاح احتمال المنع لا يبقى الجزم بالنتيجة.
وحلّ الإشكال هو أنّ المنع عن العمل بالقياس إمّا أنّ يكون بمعنى العمل عليه والتعبّد به واقتفائه بما أنّه حجّة شرعيّة ، أو يكون بمعنى مطلق تطبيق العمل عليه وإن كان ذلك على سبيل الاحتياط ؛ لاحتمال الواقع ، أو لقيام دليل آخر على الحكم الذي قضى به القياس. فعلى الأوّل لا يلزم من تطبيق العمل على القياس محذور ، لكن لا بعنوان التديّن به وبما أنّ القياس يقتضيه ـ ليشمله دليل المنع عن العمل بالقياس ـ بل لأجل أنّ العلم الإجمالي بالتكليف اقتضى ذلك ، وإنّما خرجت سائر الاحتمالات عن تحت اقتضائه لضرورة الحرج ، فيكون الباقي باقيا تحت اقتضائه ، وإن كان ظنونا قياسيّة.
والحاصل : أنّ القياس قد صادف دليلا عقليّا اقتضى العمل على طبقه ، وهو الاحتياط في مورد العلم الإجمالي ، فيكون العمل على ذلك الدليل العقلي لا على القياس.
وعلى الثاني فالظنون التي دعت ضرورة الحرج إلى الاقتصار عليها في الاحتياط وعدم التجاوز عنها إلى المشكوكات والموهومات هي الظنون المتعلّقة بالأحكام الفعليّة ، ولا يبقى ظنّ بحكم فعلي بعد ورود المنع عن العمل بالقياس. وكيف يعقل بقاء الظنّ بالحكم الفعلي. الواقعي بعد القطع بالمنع عن سلوك طريق القياس المساوق ذلك لإسقاط الواقعيّات التى هي فيه عن الفعليّة؟! فإنّ عزل أمارة يسقط ما فيها عن الفعليّة كما أنّ نصبها يسقط ما في خلافها عن الفعليّة ، فموارد القياس تخرج موضوعا عن النتيجة وعن الظنّ بالحكم الفعلي.
ومن هنا ترتفع الغشاوة عن جهة خامسة تعرّضوا لها ، وهو أنّه إذا ظنّ بالواقع من طريق ظنّ بعدم اعتباره ، فبناء على عموم النتيجة هل يؤخذ بالظن الأوّل أو بالظنّ الثاني؟ إشكال ، يظهر ممّا ذكرنا حلّه ؛ فإنّ الظنّ بعدم الحجّيّة لا يكون أسوأ حالا من القطع بعدم الحجّيّة ، بل المنع عن العمل به ، وقد عرفت حال صورتي المنع فلا نعيد.