المحدثة فقط كما في (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) فإنّ ذلك خلاف الظاهر.
فتحصّل أنّ أوامر التخيير لا اقتضاء لها بالنسبة إلى ما بعد الاختيار ، والمرجع هو الأصول. وحينئذ فهل قضيّة الأصول هو استمراريّة التخيير ، أو أنّ قضيّتها بدويّته ، أو لا هذا ولا ذاك؟
فنقول : مقتضى استصحاب التخيير هو استمراريّته ، ومقتضى استصحاب الحكم المنشأ على طبق ما اختاره هو ابتدائيّته ، واستصحاب يحكم على الثاني.
هذا ما يخطر بالبال في بادئ النظر ، لكن التأمّل يقتضي بطلان كلا الاستصحابين.
أمّا استصحاب الحكم بالتخيير فلأنّه لا حكم متعلّق بالتخيير ، وليس التخيير واجبا من الواجبات ، بل هو كخطاب «صدّق» وخطاب «خذ بالراجح» إنشاء للحكم المطابق لما اختاره أو للراجح أو لقول العادل ، فلا حكم سوى ذلك الحكم المتوجّه إليه مطابقا لما اختاره من الخبرين ، واستصحاب يقتضي بدويّة التخيير ، لكنّ هذا الاستصحاب أيضا باطل ؛ لأنّ الموضوع في هذا الحكم هو الاختيار ، فإذا زال الاختيار لم يعقل بقاء الحكم كما في استصحاب النجاسة بعد زوال التغيّر ، لا أقلّ من الشكّ واحتمال مدخليّة الاختيار حدوثا وبقاء.
فإذا انسدّ باب الاستصحابين كان الأخذ بالحكم الأوّل مبرّئا للذمّة قطعا ويشكّ في براءة الذمّة. فإن قلنا في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو التعيين كان الحكم هنا أيضا التعيين ؛ لأنّ مناط الحكم في المسألتين واحد ، وإن كان التخيير هنا بمعنى التخيير في تعيين الحجّة وهناك بمعنى كون الحكم تخييريّا.
وأمّا الكلام في الثاني (٢) : فاعلم أنّه قد يتعدّى على القول بالترجيح من المرجّحات المنصوصة إلى كلّ مزيّة موجبة لأقربيّة أحد المتعارضين إلى الواقع. ومورد التعدّي واستفادة العموم من النصّ فقرات ثلاث راجع بعضها إلى التعدّي من باب قياس مستنبط العلّة ، وبعضها الآخر إلى قياس منصوص العلّة.
فأمّا الأوّل فهو وقوع الترجيح في الرواية بالأعدليّة والأوثقيّة ؛ فإنّ الظاهر أنّ ذلك
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٢٤.
(٢) وهذا هو التذييل الثاني يرتبط بالترجيح.