حيّز النفي بخلاف «انقض» فإنّه بالإطلاق والعموم الوضعي يكون بيانا للعموم الإطلاقي ، وإمّا لأنّ «انقض» ليس كلمة جعل وتعبّد ، بل إشارة إلى ما هو حكم العقل من العمل على طبق القطع ، وحكم العقل يختصّ بمورد يلزم من ترك العمل بالقطع ترك تكليف في البين ، ولا حكم للعقل فيما إذا علم بتطهير أحد شيئين على سبيل الإجمال علم بنجاستهما سابقا ، فلذا لا يكون مانع من التعبّد بنجاستهما جميعا.
والحقّ بين المباني هو هذا المبنى. وعليه ، فالمقتضي ـ وهو عموم الدليل لجريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ـ موجود ، والمانع الموجب لرفع اليد عن هذا العموم ليس إلّا حكم العقل ، وحكم العقل يختصّ بمورد يلزم منه الترخيص ولو في بعض الأطراف ، فلا إشكال.
أمّا إن قلنا : إنّه لا يمنع من الترخيص في بعض الأطراف ، وإنّما الممنوع هو الترخيص في جميع الأطراف ، فيحتاج طرف العموم في جميع المقدّمات إلى ضمّ مقدّمة أخرى ، وهي أنّ رفع اليد عنه في واحد معيّن ترجيح بلا مرجّح ، وأحدهما مردّدا لا وجود له في الخارج ، وعنوان أحدهما ليس من أفراد العامّ. وأمّا شمولاه لجميع الأطراف مع رفع اليد عن ظاهر الطلب في كونه تعيينيّا وحمله على التخييريّة فهو مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين : التعيين ، والتخيير ، فيتعيّن الإجمال ، وبالنتيجة رفع اليد عن العموم في جميع الأطراف.
وأمّا الحكم بالتخيير بين الاستصحابين كما في كلّ حجّتين تعارضتا ـ بناء على السببيّة ـ فقد يمنع من جهة اختصاص ذلك بما إذا علم بوجود المقتضي في كليهما ، وهو في المقام غير معلوم.
وفيه : أنّ طريق معرفة المقتضي والملاك في سائر المقامات ـ وهو شمول دليل الاعتبار ـ قائم ، فتخصيص المقام بعدم العلم بالمناط باطل.
[التنبيه] الثالث عشر :
الاستصحاب لا يعارض اليد سواء اعتبرنا اليد من باب الأماريّة كما هو مبنى بناء العقلاء