الحقّ عندي الفتوى بالتخيير ؛ فإنّ حكم التخيير عامّ لا يختصّ بالمجتهد ، ونهاية ما يستنبطه المجتهد يفتيه للمقلّد ، ونهايته هنا هو التخيير في مورد الترجيح ؛ فإنّه بعد اعتقاده الترجيح يحتاج إلى إعمال قواعد نظريّة في تعيين الراجح من المتعارضين ، مع أنّ التزام الفتوى بالترجيح هناك مع تمكن المقلّد منه ممّا لا ضير فيه. وأمّا اختصاص التقليد بالمسائل الفرعيّة فهو ممنوع ، فإنّ عمدة أدلّته هي السيرة وبناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم وهو عامّ ، بل أدلّته اللفظيّة أيضا عامّة.
[المقام] الثاني : هل التخيير في مورد التخيير بدوي أو استمراري؟
والكلام تارة فيما تقتضيه الأدلّة اللفظيّة ، وأخرى في قضيّة الأصول العمليّة.
فأمّا ما تقتضيه الأدلّة اللفظيّة فهل إطلاق قوله : «إذن فتخيّر» استمرار التخيير ، أو ظاهر الأمر بأخذ ما اختاره استمرار الأمر بأخذ ما حديث الاختيار له وإن زال اختياره عنه ، أولا ظهور له في هذا ولا ذاك؟
أقول : أمّا التمسّك بالإطلاق على استمراريّة التخيير فذلك أشبه شيء بالتمسّك بإطلاق النهي المتعلّق بالطبيعة على بقاء النهي بعد حصول العصيان. وكلاهما باطل ؛ فإنّ معنى التمسّك بإطلاق متعلّق الحكم هو تعميم المتعلّق بحسب الطوارئ والحالات المعتورة عليه. فيكون المتعلّق ما هو سار جار في طيّ تمام تلك الحالات ، وليست من تلك الحالات حالة عصيان الحكم التي هي حالة سقوطه ، فهل يبقى بعد السقوط حكم ومتعلّق حكم؟ كما أنّه ليست من تلك الحالات حالة إطاعة الحكم وسقوط الحكم بالإطاعة ، فهل يعقل بعد الإطاعة بقاء الحكم الأوّل حتّى يتمسّك بالإطلاق لإثباته؟
وبالجملة : بعد تحقّق الاختيار وامتثال أمر «اختر» لا يبقى مجال للتمسّك بإطلاق أمر «اختر» فإنّه قد أطيع بالاختيار الأوّل ، وسقط الأمر بالطبيعة بإتيان فرد من تلك الطبيعة.
وأمّا التمسّك بإطلاق هذا الأمر المنشأ على طبق ما اختاره فيقال : إنّه باق وإن ذهب الاختيار ، فقيه : أنّ الحكم المتعلّق بعنوان ـ كعنوان عالم وعادل ـ أقصى إطلاقه الاستمرار ما استمرّ العنوان لا الاستمرار أبدا وإن زال العنوان حتّى يكون العنوان من قبيل العلّة