ثمّ لو فرضنا اعتبارها فلا تشمل موارد العلم الإجمالي بما يأتي في محلّه من لزوم التناقض في مداليلها على تقدير الشمول. ولا يصغى إلى ما قيل من ذهول المجتهد في كلّ واقعة ترد عن سائر ما عداها من الوقائع ، فهو غير شاكّ فعلا في سائر ما عداها بعدم التفاته إليها ، ومعه لا يشمله خطاب «لا تنقض» (١) ؛ لمنع اعتبار الالتفات التفصيلي في شمول هذا الخطاب ، فإذا التفت المكلّف إجمالا إلى الوقائع حصل له يقين وشكّ إجمالي وشمله الخطاب.
وعن المقدّمة الخامسة : منع كون الأخذ بالمشكوكات والموهومات من ترجيح المرجوح على الراجح. وإنّما ترجيح المرجوح مختصّ بما إذا كان مناط الاختيار في أحد الفعلين أقوى ـ بعد اشتراكهما في أصل المناط ـ فيختار الشخص ذا المناط الضعيف على المناط القوي ، وأين ذلك ممّا إذا اختصّ المناط بأحدهما واشتبه ذو المناط بغيره كما في المقام ؛ فإنّ مناط اختيار المكلّف هو التكليف المختصّ ببعض الطوائف الثلاث ـ بعد سقوط أحكام عن الفعليّة على جميع التقادير ـ ولا يعلم أنّ ذلك البعض أيّ بعض هو؟
وأمّا اختيار المولى للحكم فذلك يتبع ما هو الأهمّ من أحكامه بحسب المناط ، والأقوى بحسب الملاك والأكثر عددا من الطوائف الثلاث في إصابة الواقع بحسب نظره ، وإن كان ذلك هو الموهومات في نظرنا ، فليس ظنوننا مناطا لترجيح الحكم من المولى حتّى يكون عدوله من ذلك ، والحكم يأخذ المشكوكات والموهومات ترجيحا للمرجوح على الراجح. ونحن لمّا لم نعلم من أيّ جانب هو مناط الترجيح حكمنا بالتخيير.
فتحصّل أنّ كلّ ما ذكر من المقدّمات لدليل الانسداد مخدوشة مردودة ، مضافا إلى الخدشة في جمع بعضها مع بعض.
فالصواب في المقام أن يقال : إذا انضمّت المقدّمة الرابعة إلى الأولى خرجت طائفة من التكاليف عن الفعليّة بمقدار ما يرتفع الحرج من الاحتياط في البقيّة ، ويبقى مقدار ما لا يلزم من الاحتياط فيه محذور.
ثمّ اللازم على المولى أن يختار من تكاليفه الأهمّ فالأهمّ ، ومع المساواة يخيّر العبد. مثلا
__________________
(١). قد ورد في أخبار الاستصحاب «لا تنقض اليقين بالشكّ» وأشار المصنّف إليها بخطاب «لا تنقض».