إلى شيء آخر ، وإن كان غير معيّن فإمّا أن يكون عدم التعيين واقعيّا ، وذلك غير معقول ؛ لرجوعه إلى جهل الحاكم بحكمه ، أو يكون علميّا فيرجع ذلك إلى ما قلناه أوّلا ، ويجب الاحتياط التامّ لتحصيل ذلك المشتبه.
وخلاصة الكلام : أنّا لا نعقل ثبوت العلم الإجمالي بالتكليف ، ثمّ لا يجب الاحتياط التامّ ، فلا تجتمع المقدّمتان أعني الأولى والرابعة.
وعن المقدّمة الثانية : منع انسداد باب الحجّة على التكليف ؛ لانفتاح باب الاطمئنان ، وهو حجّة عقلائيّة ، بل لا حجّة سواه ، وإنّما العلم حجّة بمناطه لا بما أنّه علم غير محتمل للخلاف.
وعن المقدّمة الثالثة : أنّ الاحتياط لو لم يجب أو لم يجز ـ بحكم المقدّمة الرابعة ـ كشف ذلك عن عدم فعليّة التكاليف الواقعيّة ، فلم يكن مانع من الرجوع إلى البراءة ، بل كانت البراءة قطعيّة بعد عدم احتمال حكم فعلي.
وعن المقدّمة الرابعة : ما عرفت من عدم المحلّ لدعوى بطلان الاحتياط ، أو عدم وجوبه بعد المقدّمة الأولى. مضافا إلى منع لزوم إخلال النظام من الاحتياط ، وأيّ اختلال يلزم إذا تصدّى جماعة لمعرفة موارد الاحتياط ، ثمّ أرشدوا إليه سائر الناس؟! وأمّا العمل به فلا يحتاج إلى صرف أزيد من ساعة من النهار.
ثمّ أيّ دليل نهض على حرمة ما يخلّ بالنظام؟ ثمّ ما المعنيّ من نظام؟ فإنّ لكلّ قوم نظاما ما ، فنظام الأروبيين شيء ـ وهو اليوم أعلى درجات النظام ـ حتّى ينتهي في التسافل إلى نظام سكنة الكهوف والبوادي.
وأمّا الحرج فدليل نفيه لا يشمل المقام ، وأمثال المقام ممّا ليس متعلّق التكليف فيه فعلا حرجيّا ، وإنّما لزم الحرج من اشتباه التكليف. والإجماع على عدم وجوب الاحتياط لا حجّيّة فيه بعد أن كان ذلك ؛ لأجل ذهاب جلّ المفتين إلى الانفتاح.
نعم ، تقليد الانسدادي للانفتاحي بعد تخطئته في المبنى باطل.
وكذا الرجوع إلى الاستصحاب بعد كون دليل اعتباره هو الأخبار ، وهي غير ثابتة الحجّيّة. ودعوى اعتبارها بالخصوص يساوق دعوى الانفتاح ؛ لوجود مثل هذه الأخبار في كثير من المسائل الفقهيّة ؛ ودعوى تواترها في حيّز المنع.