ومن الثالثة قوله عليهالسلام ـ لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ، معتذرا
بأنّه لم يأته برجله ـ : «أما سمعت قوله عزوجل : (إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)» .
والجواب عن
الطوائف الثلاث الأول : أنّها بمعزل عن المقصود من حجّيّة الظهور الذي نحن نزعمه
ظهورا بلا اطّلاع على صوارفه المكتنفة ، وقرائنه المتّصلة ، ولا التفات إلى
مزاحماته المنفصلة ، بل بمعزل عن حجّيّة الظهور مطلقا ؛ فإنّها في مقام الإرجاع
إلى واقع ما هو مؤدّى الكتاب من غير نظر إلى أنّ تعيين ذلك بما ذا يكون ، بالظهور
أو بغيره؟
نعم ، حيث إنّ
الطريق المتعارف في تعيين المقاصد هو الظهور ينسبق إلى ذهنك ذلك مطبقا له بما
يزعمه ظهورا ، لكن ذلك سبق خارجي غير مستند إلى نفس اللفظ.
ولئن سلّمنا دلالة
هذه الطوائف على اعتبار ما نزعمه ظاهر الكتاب ، فذلك أوّل مرتبة من الدلالة لا
مقاومة لها لتلك الأخبار المصرّحة بالخلاف ، فلتحمل على ما قلنا جمعا.
والجواب عن بقيّة
الأخبار يظهر ممّا ذكرناه ؛ فأمّا عن رواية عبد الأعلى فبأنّها لا تدلّ على معرفة
كلّ أحد ما ذكره عليهالسلام. فلعلّ المراد معرفة من له أهليّة المعرفة ، وأهليّة معرفة
الكتاب تكون مختصّة بهم. ويشهد له أنّ المسح على المرارة لا يعرفه أحد من كتاب ،
إلّا أن يقال : إنّ غرضه سقوط المسح على البشرة ممّا يعرف من القرآن. وأمّا المسح
على المرارة فذاك حكم تعبّدي أفاده في موضوع سقوط المسح على البشرة.
ولو سلّمنا
الدلالة فأقصاه أنّ هذا وأشباهه مستفاد من ظاهر القرآن ، وأمّا أنّ المستظهر يسوغ
له أن يستقلّ العمل بما استظهره أو يحتاج إلى تنبيههم على أنّ في هذا المورد لا
قرينة متّصلة ولا منفصلة صارفة للظهور ، فلا.
نعم ، يستفاد عدم
هذه القرينة في نفس هذه الآية بقرينة تمسّكه ، فإن استفيد مثل ذلك في سائر موارد
الظهور فحبّا وكرامة.
وأمّا عن رواية
التقرير : فبأنّا لم ندّع صرف كلّ ظهور من ظواهر الكتاب عن ظواهره ،
__________________