الفحص عن الدليل الحاكم ، مضافا إلى أنّ ما دلّ على وجوب تحصيل العلم بالأحكام ولو وجوبا نفسيّا ـ كما ذهب إليه بعض ، وهو ظاهر تلك الأخبار ـ حجّة قاطعة للأصول وحاكمة حكومة إجماليّة على أدلّتها في موارد بيّن حكمها في خلال الكتاب والسنّة بحيث لو تفحّصنا لظفرنا به ؛ فإنّ هذا حجّة على ذلك البيان الحاكم على أدلّة الأصول ، والحجّة على الحاكم حاكم.
وبالجملة : بعد البيان والأمر بتحصيل العلم بذلك البيان لا يبقى للعبد عذر في العمل بالأصول ، وأيضا الأمر بتحصيل العلم معناه الأمر بالعمل بما لو تفحّصنا نظفر به ، ومعه ينهدم إطلاق دليل البراءة.
[إجراء البراءة بلا فحص]
إذا عمل بالبراءة بلا فحص فأصاب الواقع أو أصاب عدم البيان أو أصاب الحجّة على النفي وإن أخطأ عن الواقع كان العمل صحيحا مطلقا في غير العبادات ، وفي العبادات مع تأتّي قصد القربة ، بل لم يعاقب أيضا سيّما إذا لم يكن متجرّيا كما إذا صلّى بلا سورة في أوّل الوقت بانيا على إعادتها في الوقت بعد الفحص وظهور الخلاف ؛ إذ يكفي في صحّة العمل مطابقة العلم لأحد أمرين إمّا الأمر الواقعي أو الأمر الظاهري ، ولا دليل على اعتبار استناد العمل إلى الدليل.
كما يكفي في سقوط العقاب إحدى المطابقتين ، أمّا كفاية مطابقة الأمر الواقعي فواضح وإن خالف الأمر الظاهري ؛ لأنّ الأوامر الظاهريّة غير مستتبعة عندهم للعقاب ، وعندنا ليست هي بأوامر ، وإنّما هي تقادير لفعليّات الأوامر الواقعيّة. نعم ، على مسلك السببيّة يستحقّ العقاب على مخالفتها ، فإنّها على حدّ الأوامر الواقعيّة.
وأمّا كفاية مطابقة الأمر الظاهري فلأنّ الشارع يكون هو الذي قد فوّت الواقع بنصبه للحجّة المخطئة عنه ، فمع الفحص أيضا لم يكن يصل إلى الواقع ، بل كان يعمل نحو ما عمل فعلا ، ومع ذلك كيف يعاقب على ما هو مفوّته. نعم ، لو قيل بوجوب تحصيل العلم وجوبا نفسيّا يعاقب على مخالفة هذا الخطاب ، فيختصّ فساد العمل والعقاب على مخالفة الواقع