هذا تمام الكلام فيما هو قضيّة العلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر.
ولكن قد يقال بالاحتياط من باب العلم الإجمالي بالغرض ؛ بناء على تبعيّة الأحكام لمصالح في المتعلّق (١). وذلك فيما إذا كان هناك غرض واحد قائم إمّا بالأقلّ أو الأكثر على أن يكون لحدّ الأكثريّة دخلا في أصل الغرض لا في كماله مع قيام أصله بالأقلّ ؛ فإنّه إذا انضمّت إلى العلم الإجمالي المذكور حكم العقل بوجوب تحصيل غرض المولى الذي هو حكم عقلي مستقلّ في عرض حكمه بوجوب إطاعة المولى أنتج ذلك وجوب الاحتياط بإتيان أطراف الاشتباه تحصيلا للقطع بحصول غرض المولى ، فهذا العلم الإجمالي يقتضي ما لم يكن يقتضيه العلم الإجمالي بالتكليف ، وما لا يقتضي لا يزاحم ما يقتضي.
ويمكن الذبّ عنه بأنّه بعد شمول أدلّة البراءة للجزء المشكوك وإخراجه عن تحت التكليف في المقام السابق لم يبق مجال للحوم حول الغرض والتكلّم حوله ؛ فإنّه لا يحتمل وجود غرض ملزم في الأكثر بعد حكم الشارع بإباحته.
وربما يفصّل في المقام بين البراءة الشرعيّة والعقليّة ، فتجري الأولى وتشمل عموماتها للجزء المشكوك ، وبانضمامها إلى أدلّة أوامر المركّبات يستنتج وجوب الأقلّ كالخاصّ المنضمّ إلى العامّ ، وكمثل عشرة إلّا واحدا ، فلا تعارض بجريانها بالنسبة إلى الأقلّ وشمول أدلّتها له ؛ حيث إنّه أحد طرفي العلم الإجمالي ، ولا تجري الثانية ؛ لمكان العلم الإجمالي وعدم انحلاله كما توهّم (٢).
ويدفعه أوّلا : أنّه ذلك غير تامّ بناء على مسلك عدم المقتضي للأصول في أطراف العلم الإجمالي.
وثانيا : أنّ عدم الرجوع إلى البراءة العقليّة في المقام والإلزام بأنّ حكم العقل فيه هو الاحتياط مبنيّ على أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين المتباينين ، فلئن صحّ ذلك منع من جريان البراءة الشرعيّة أيضا ، ولم تقتض أدلّة أوامر المركّبات وجوب الأقلّ بعد نفي الجزء المشكوك ، ولم يكن ذلك أولى من العكس بلا مشابهة للمقام بالعامّ المخصّص ؛ فإنّ المشابهة إنّما كانت إذا كانت الأقلّيّة والأكثريّة محفوظة ، والانحلال حاصلا ؛ لتكون الأوامر شاملة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٦٤ و ٣٦٥.
(٢) محصّل مختار الشيخ الأنصاري راجع فرائد الأصول ٢ : ٤٦٠ ـ ٤٦٩.