نعم ، إذا أمكن التبعّض في التنجّز في تكليف واحد ـ فيكون منجّزا في بعض متعلّقه وهو في المقام الأقلّ ، وغير منجّز في البعض الآخر وهو الأكثر ـ صحّ أن يقال : إنّ التكليف بالنسبة إلى الأقلّ منجّز على كلّ حال ، فيرجع الشكّ بالنسبة إلى الزائد مشكوكا يرجع فيه إلى البراءة ، فيكون ترك الأكثر الحاصل بترك الأقلّ ممّا يعاقب عليه لو كان هو الواجب وتركه الحاصل بترك الزائد المشكوك ممّا يعذّر فيه.
لكن التبعّض في التنجّز غير معقول ؛ فإنّ تكليفا واحدا لا يتّصف بصفتين متقابلتين ، فإن تنجّز ، تنجّز في تمام متعلّقه ، أو لم يتنجّز لم يتنجّز في تمام متعلّقه. فكون الأقلّ متيقّن الوجوب على كلّ حال معناه كون احتمال وجوب الأكثر احتمالا لتكليف منجّز ، واحتمال التكليف المنجّز ممّا يجب فيه الاحتياط ؛ فإنّ معنى احتمال تكليف منجّز هو عدم المؤمّن من العقاب في مورد لو كان التكليف موجودا ، وإلّا قطع بعدم التكليف المنجّز.
لكنّ الحقّ مع ذلك جريان البراءة عن الأكثر ، لكن لا من مسلك الانحلال ، بل من وجه آخر.
وحاصله : أنّ احتمال التكليف في جانب الأقلّ احتمال لتكليف منجّز تمّ بيانه ، وقامت عليه حجّته حتّى انقطع بذلك حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ، وكلّ ما كان احتمال التكليف احتمالا لتكليف كذائي وجب فيه الاحتياط. أمّا الكبرى فبديهيّة ، ولذا وجب الاحتياط في الشبهات قبل الفحص ، وأمّا الصغرى فلأنّ ما هو ملزوم به المولى هو أن يبيّن تكليفه بمتعلّقه ، وليس عليه أن يبيّن أنّه هو تمام المتعلّق ، وإنّما عليه أن يبيّن ويعطي ذات تمام المتعلّق.
وفي المقام لو كان الواجب هو الأقلّ لم يكن في بيانه قصور وفتور ، بل بيّن بتمام البيان. نعم ، لم يبيّن أنّ الأقلّ هو تمام المتعلّق ، فبقي احتمال كونه جزء المتعلّق ، وهذا البيان أيضا غير ملزوم به المولى حتّى لو لم يبيّن فعاقب على المخالفة لزم منه القبح. هذا حال احتمال التكليف في جانب الأقلّ.
وأمّا احتماله في جانب الأكثر فاحتمال التكليف لم يتمّ بيانه ولم يقم عليه برهانه ، وكلّ ما دار الأمر في المعلوم بالإجمال بين طرفين لا مساغ في أحدهما للبراءة جرت البراءة في الطرف الآخر بلا معارض.