* * *
باء ـ لا ريب ان الانسان ـ كما اسلفنا ـ يخضع في شخصيته لعوامل الوراثة والبيئة والثقافة.
فكل تلك الأمور مؤثرة في افكاره واتجاهاته وطريقته في الحياة.
ولا نعني بهذا انه لا يستطيع الخروج على هذه العوامل والتغلب على تأثيرها والتخلص من قيودها وضغوطها ولكننا نقصد بأنه مهما بلغ من الإرادة والقوة يبقي متأثرة بها بعض الشيء.
فاذا وجدنا انساناً عاش في بيئة جاهلية منحطة ، ونشأ في جماعة أمية عابدة للوثن ، وغارقة في الاثام ، لا تنفك عن الجريمة ، ولا تفارق الخمر والميسر ، تئد البنات ، وتقتل الأولاد خشية املاق ، ولكنه لم يتأثر بذلك المحيط الفاسد ، بل قام بمفرده بمكافحة كل تلك المظالم والمفاسد وحارب بوحده الوثنية العريقة السائدة في امته ليعيدها إلى التوحيد ، وكافح الامية والجهل ليحل محلها العلم والثقافة ، وكافح الخمر والميسر والزنا ليحل محلها الطهر والنزاهة والتقوى فان ذلك يدل بكل وضوح ـ على أن ثمت يداً غيبية وراء تربية هذا الشخص ، ونشأته وصياغته بتلك الصياغة النقية العظيمة.
والنبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله خير مثل على ذلك فمن طالع حياته الشريفة وقف على هذه الحقيقة الساطعة وعرف ان ما جاء به من معارف عالية ، وقيم انسانية وتعالیم سامية لا تمت الى بيئته ومحيطه ومجتمعه بصلة.
__________________
الجافية ، والناس يستحلون الحريم ، ويستذلون الحكيم ، يحيون على فترة ، ويموتون على كفرة» (نهج البلاغة الخطبة ١٤٩).
وللامام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ كلمات وخطب في وضع العرب لا غنى عن التعرف عليها الباحث نلاحظ نهج البلاغة.