وقوله سبحانه : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) المعنى : لم يكذّب قلب محمّد الشيء الذي رأى ، بل صدّقه وتحقّقه نظرا ؛ قال أهل التأويل منهم ابن عبّاس وغيره (١) : رأى محمّد الله بفؤاده ، وقال النبيّصلىاللهعليهوسلم : «جعل الله نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي» ، وقال آخرون من المتأولين : المعنى : ما رأى بعينه لم يكذّب ذلك قلبه ، بل صدقه وتحققه ، وقال ابن عبّاس فيما روي عنه (٢) : إنّ محمّدا رأى ربّه بعيني رأسه ، وأنكرت ذلك عائشة ، وقالت : أنا سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآيات فقال لي : «هو جبريل فيها كلّها» قال* ع (٣) * : وهذا قول الجمهور ، وحديث عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قاطع بكلّ تأويل في اللفظ ؛ لأنّ قول غيرها إنّما هو منتزع من ألفاظ القرآن.
وقوله سبحانه : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) قرأ حمزة والكسائيّ «أفتمرونه» ـ بفتح التاء دون ألف (٤) ـ ، أي : أفتجحدونه.
* ت* : قال الثعلبيّ : واختار هذه القراءة أبو عبيد : قال إنّهم لا يمارونه ، وإنّما جحدوه ، واختلف في الضمير في قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ) حسبما تقدم ، فقالت عائشة والجمهور (٥) : هو عائد على جبريل ، و (نَزْلَةً) معناه : مرّة أخرى ، فجمهور العلماء أنّ المرئيّ هو جبريل* ع* في / المرتين ، مرّة في الأرض بحراء ، ومرّة عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء ، رآه على صورته التي خلق عليها ، وسدرة المنتهى هي : شجرة نبق في السماء السابعة ، وقيل لها : سدرة المنتهى ؛ لأنّها إليها ينتهي علم كلّ عالم ، ولا يعلم ما وراءها صعدا إلّا الله عزوجل ، وقيل : سمّيت بذلك لأنّها إليها ينتهي من مات على سنّة النبي صلىاللهعليهوسلم قال* ع (٦) * : وهم المؤمنون حقّا من كلّ جيل.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥١١) برقم : (٣٢٤٦٦) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٤٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٩٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٦٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن أبي العالية.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥١١) برقم : (٣٢٤٦٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٤٧) ، وابن عطية (٥ / ١٩٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٥٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٥٩) ، وعزاه لابن مردويه.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٩٨)
(٤) ينظر : «السبعة» (٦١٤) ، و «الحجة» (٦ / ٢٣٠) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٣٧) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٢٤) ، و «العنوان» (١٨٢) ، و «حجة القراءات» (٦٨٥) ، و «شرح شعلة» (٥٩١) ، و «إتحاف» (٥٠٠ ـ ٥٠١)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٥١٢) برقم : (٣٢٤٧٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٩٩) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٥١)
(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٩٨)