يونس عليهالسلام خشية تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب.
وقوله سبحانه : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) معناه : أن لن نضيق عليه ، وقيل : معناه : نقدر عليه ما أصابه ، وقد قرىء «نقدّر» عليه بالتشديد (١) ، وذلك ، كما قيل لحسن ظنّه بربه : أنه لا يقضي عليه بعقوبة ، وقال عياض في موضع آخر : وليس في قصة يونس عليهالسلام نصّ على ذنب ، وإنما فيها أبق وذهب مغاضبا ، وقد تكلمنا عليه ، وقيل : إنما نقم الله ـ تعالى ـ عليه خروجه عن قومه ، فارّا من نزول العذاب. وقيل : بل لمّا وعدهم العذاب ، ثم عفا الله عنهم ، قال : والله لا ألقاهم بوجه كذّاب أبدا ، وهذا كله ليس فيه نصّ على معصية. انتهى.
وقوله سبحانه : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ). قالت فرقة : معناه : أن لن نضيق عليه في مذهبه ؛ من قوله تعالى : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد : ٢٦] ، وقرأ الزهريّ : «نقدّر» (٢) بضم النون ، وفتح القاف ، وشدّ الدال ، ونحوه عن الحسن.
وروي : أنّ يونس عليهالسلام سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر.
وقوله : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) : يريد فيما خالف فيه من ترك ملازمة قومه والصبر عليهم ، هذا أحسن الوجوه ، فاستجاب الله له.
ت وليس في هذه الكلمة ما يدلّ أنّه اعترف بذنب ، كما أشار إليه بعضهم ، وفي الحديث الصحيح : «دعوة أخي ذي النّون ، في بطن الحوت : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، ما دعا بها عبد مؤمن ـ أو قال : مسلم ـ ، إلّا استجيب له» (٣)
__________________
(١) وهي قراءة الزهري والحسن كما ذكرهما المصنف بعد.
وقرأ بها ابن أبي ليلى ، وأبو شرق ، والكلبي ، ويعقوب.
كما في «مختصر الشواذ» ص (٩٥) ، وينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٩٧) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٣١١) ، ونسبها للزهري حسب. وهي في «الدر المصون» (٥ / ١٠٥).
وحكاها القرطبي (١١ / ٢١٩) عن عمر بن عبد العزيز والزهري.
(٢) ينظر القراءة السابقة.
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٢٩) كتاب الدعوات : باب (٨٢) حديث (٣٥٠٥) ، والنسائي في «الكبرى» (٦ / ١٦٨) كتاب عمل اليوم والليلة : باب ذكر دعوة ذي النون ، حديث (١٠٤٩٢) ، وأحمد (١ / ١٧٠) ، والحاكم (١ / ٥٠٥) ، والطبريّ (٩ / ٧٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٤٣٢) رقم (٦٢٠) كلهم من حديث سعد بن أبي وقاص.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٥٩٩) ، وزاد نسبته إلى الحكيم في «نوادر الأصول» ، وابن أبي حاتم ، والبزار ، وابن مردويه.