(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩)
وقوله تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ...) الآية ، الأمر اسم جنس لجميع الأمور ، والمعنى ينفّذ سبحانه قضاءه بجميع ما يشاءه ، ثم يعرج إليه خبر ذلك في يوم من أيام الدنيا ؛ مقداره أن لو سير فيه السير المعروف من البشر ألف سنة ، أي : نزولا وعروجا لأن ما بين السماء والأرض خمس مائة سنة ، هذا قول ابن عباس (١) ومجاهد (٢) وغير هما.
وقيل : المعنى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في مدة الدنيا ، ثم يعرج إليه يوم القيامة ، ويوم القيامة مقداره ألف سنة من عدّنا ، وهو على الكفار قدر خمسين ألف سنة. وقيل : غير هذا ، وقرأ الجمهور / : «الذي أحسن كل شيء خلقه» : ـ بفتح اللام ـ على أنه فعل ماض ، ومعنى : «أحسن» : أتقن وأحكم فهو حسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : «خلقه» (٣) : ـ بسكون اللام ـ وذهب بعض الناس على هذه القراءة إلى أن : «أحسن» هنا معناه : ألهم ، وأن هذه الآية بمعنى قوله تعالى : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : الآية ٥٠]. أي : ألهم. والإنسان هنا آدم ـ عليهالسلام ـ ، والمهين : الضعيف ، (وَنَفَخَ) : عبارة عن إفاضة الروح في جسد آدم عليهالسلام والضمير في (رُوحِهِ) لله تعالى ، وهي إضافة ملك إلى مالك وخلق إلى خالق ، ويحتمل أن يكون الإنسان في هذه الآية اسم جنس و (قَلِيلاً) صفة لمصدر محذوف.
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٢٣١) رقم (٢٨١٩١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٥٨) ، والسيوطي (٥ / ٣٣١) ، بنحوه وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٣٠) رقم (٢٨١٨٧) ، وذكره البغوي (٣ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨) بنحوه ، وابن عطية (٤ / ٣٥٨) ، وابن كثير (٣ / ٤٥٧) ، والسيوطي (٥ / ٣٣١) ، وعزاه لابن جرير عن مجاهد.
(٣) ينظر : «السبعة» (٥١٦) ، و «الحجة» (٥ / ٤٦٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٢٧٣) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٤٠) ، و «العنوان» (١٥٣) ، و «شرح شعلة» (٥٤٣) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٦٦) ، و «حجة القراءات» (٥٦٧).