غريب ، انتهى ؛ وهما في «مصابيح البغوي». وروى أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تعلّم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال ، أو النّاس ـ لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» (١) انتهى.
وقوله تعالى : (وَقُولُوا آمَنَّا) الآية ، قال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ؛ ويفسرونها بالعربية للمسلمين ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدّقوا أهل الكتاب ، ولا تكذّبوهم (٢)» ، وقولوا : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)» وروى ابن مسعود ؛ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنّهم لن يهدوكم ؛ وقد ضلّوا : إمّا أن تكذّبوا بحقّ ، وإمّا أن تصدّقوا بباطل» (٣).
وقوله تعالى : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يريد : التوراة والإنجيل ؛ كانوا في وقت نزول الكتاب عليهم يؤمنون بالقرآن. ثم أخبر عن معاصري نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أن منهم أيضا من يؤمن به ولم يكونوا آمنوا بعد ، ففي هذا إخبار بغيب ؛ بيّنه الوجود بعد ذلك.
قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) يشبه أن يراد بهذا الانحناء كفار قريش. ثم بيّن تعالى الحجة وأوضح البرهان : أن مما يقوي أنّ نزول هذا القرآن من عند الله ؛ أن محمدا ـ عليهالسلام ـ جاء به في غاية الإعجاز والطول والتضمّن للغيوب ، وغير ذلك؟ وهو أمّيّ ؛ لا يقرأ ولا يكتب ؛ ولا يتلو كتابا / ولا يخط حروفا ؛ ولا سبيل له إلى التعلم ، ولو كان ممن يقرأ أو يخط ، لارتاب المبطلون ، وكان لهم في ارتيابهم معلّق ، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة ؛ فظاهر فساده.
قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) يعني : القرآن ، ويحتمل أن يعود على أمر محمد صلىاللهعليهوسلم و (الظَّالِمُونَ) و (الْمُبْطِلُونَ) يعمّ لفظهما كلّ مكذّب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ولكنّ عظم
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٧٢٠) كتاب الأدب : باب ما جاء في المتشدق في الكلام ، حديث (٥٠٠٦) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري (١٣ / ٣٤٥) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» ، حديث (٧٣٦٢) وفي (١٣ / ٥٢٥) كتاب التوحيد : باب ما يجوز من تفسير التوراة ، حديث (٧٥٤٢) ، والطبريّ في «تفسيره» (١٠ / ١٥١) رقم (٢٧٨٢٣) من حديث أبي هريرة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢٨٢) ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الشعب».
(٣) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (١٠ / ١٥١) رقم (٢٧٨٢٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢٨٢) ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق.