والخروج معها عن التي هي أحسن. ثم نسخ هذا بعد بآية القتال ؛ وهذا قول قتادة (١) ؛ وهو أحسن ما قيل في تأويل الآية.
ت : قال عز الدين بن عبد السلام في «اختصاره لقواعد الأحكام» (٢) : فائدة : لا يجوز الجدال والمناظرة إلا لإظهار الحقّ ونصرته ؛ ليعرف ويعمل به ، فمن جادل لذلك ؛ فقد أطاع ، ومن جادل لغرض آخر ، فقد عصى وخاب ، ولا خير فيمن يتحيّل لنصرة مذهبه ؛ مع ضعفه وبعد أدلته من الصواب ، انتهى.
تنبيه : روى الترمذيّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الحياء والعيّ : شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النّفاق» (٣). وروى أبو داود والترمذيّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله يبغض البليغ من الرجال الّذي يتخلّل بلسانه كما تتخلّل البقرة بلسانها» حديث (٤)
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٥٠) رقم (٢٧٨٢٢) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٤٧٠) بنحوه ، وابن عطية (٤ / ٣٢١) بنحوه ، وابن كثير بنحوه (٣ / ٤١٥) ، والسيوطي (٥ / ٢٨٢) ، وعزاه لأبي داود في «ناسخه» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في «المصاحف» عن قتادة.
(٢) قال «المقري» في «قواعده» : لا يجوز التعصب إلى المذاهب بالانتصاب للانتصار بوضع الحجاج ، وتقريبها على الطرق الجدلية مع اعتقاد الخطأ ، أو المرجوحية عند المجيب ، كما يفعله أهل الخلاف ، إلا على وجه التدريب على نصب الأدلة ، والتعليم لسلوك الطريق بعد بيان ما هو الحق ، فالحق أعلى من أن يعلى ، وأغلب من أن يغلب. وقال أيضا : ولا يجوز رد الأحاديث إلى المذاهب على وجه ينقص من بهجتها ، ويذهب بالثقة بظاهرها ؛ فإن ذلك إفساد لها ، وغض من منزلتها ، لا أصلح الله المذاهب بفسادها ، ولا رفعها بخفض درجاتها ، فكل كلام يؤخذ منه ويرد إلا ما صح لنا عن سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بل لا يجوز الرد مطلقا ؛ لأن الواجب أن ترد المذاهب إليها كما قال «الإمام الشافعي» ، لا أن ترد هي إلى المذاهب ولله درّ علي ـ رضي الله عنه ـ أي بحر علم ضم جنباه! ـ إذ قال لكميل بن زياد لما قال له : أترانا نعتقد أنك على الحق ، وأن طلحة ، والزبير على الباطل؟! : اعرف الرجل بالحق ، ولا تعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله.
وما أحسن قول أرسطو لما خالف أستاذه أفلاطون : تخاصم الحقّ وأفلاطون ، وكلاهما صديق لي ، والحق أصدق منه. انظر «القواعد» (٢ / ٣٩٧) وما بعدها بتصرف ، وينظر : «القواعد الصغرى» بتحقيقنا ص ١٠٩.
(٣) أخرجه الترمذيّ (٤ / ٣٧٥) كتاب البر والصلة : باب ما جاء في العي ، حديث (٢٠٢٧) ، وأحمد (٥ / ٢٦٩) ، والحاكم (١ / ٩) ، والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٤١٠ ـ بتحقيقنا) كلهم من طريق محمد بن مطرف أبي غسان عن حسان بن عطية عن أبي أمامة مرفوعا.
وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن غريب ، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
(٤) أخرجه أبو داود (٢ / ٧٢٠) كتاب الأدب : باب ما جاء في المتشدق في الكلام ، حديث (٥٠٠٥) ، والترمذيّ (٥ / ١٤١) كتاب الأدب : باب ما جاء في الفصاحة والبيان ، حديث (٢٨٥٣) ، وأحمد (٢ / ١٦٥ ، ١٨٧) من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.