وقوله : (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) درجة ثانية للنّبوّة ، فربّ نبيّ ليس برسول.
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (٣٤)
وقوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) الآية : قال قتادة : هذا من موسى على جهة الإنكار على فرعون (١) كأنه يقول : أو يصحّ لك أن تعدّ عليّ نعمة ترك قتلي من أجل أنّك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم؟! أي : ليست بنعمة ؛ لأنّ الواجب كان ألّا تقتلني ولا تقتلهم (٢) ، ولا تستعبدهم ، وقرأ الضحّاك (٣) : «وتلك نعمة ما لك أن تمنّها عليّ» وهذه قراءة تؤيّد هذا التأويل ، وقال الطبريّ (٤) والسدّيّ : هذا الكلام من موسى عليهالسلام علي جهة الإقرار بالنعمة كأنه يقول : نعم (٥) ، وتربيتك نعمة عليّ ؛ من حيث عبّدت غيري وتركتني ، ولكن ذلك لا يدفع رسالتي ، ولمّا لم يجد فرعون حجّة رجع إلى معارضة موسى في قوله : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) واستفهمه استفهاما فقال موسى هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ، فقال فرعون (٦) عند ذلك : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) : على معنى الإغراء والتعجب من شنعة المقالة [إذ] (٧) كانت عقيدة القوم ؛ أنّ فرعون ربّهم ومعبودهم ؛ والفراعنة قبله كذلك ، فزاده موسى في البيان بقوله : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فقال فرعون حينئذ على جهة الاستخفاف : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) فزاده موسى في بيان الصفات التي تظهر نقص فرعون ، وتبين أنّه في غاية البعد عن القدرة عليها ، وهي ربوبيّة المشرق والمغرب ، ولم يكن لفرعون إلّا ملك مصر ، ولما انقطع فرعون في باب الحجة ، رجع إلى الاستعلاء والتغلب فقال لموسى : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) وفي
__________________
(١) في ج : فرعون لعنه الله.
(٢) في ج : ولا قتلتهم.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٢٨) ، و «البحر المحيط» (٧ / ١١)
(٤) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٤٣٨)
(٥) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٢٨)
(٦) في ج : فرعون لعنه الله.
(٧) سقط في ج.