عباس (١) وغيره ، ومعنى هذه الآية : جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة ، ووصف تعالى الهباء في هذه الآية بمنثور ، ووصفه في غيرها بمنبثّ ، فقالت فرقة : هما سواء ، وقالت فرقة : المنبثّ : أرقّ وأدقّ من المنثور ؛ لأنّ المنثور يقتضي أنّ غيره نثره ، والمنبثّ كأنه انبثّ من دقّته.
وقوله تعالى : (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ذهب ابن عباس والنّخعيّ وابن جريج : إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار ، ويقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فالمقيل : القائلة (٢).
قال ع : ويحتمل أنّ اللفظة إنّما تضمنت تفضيل الجنّة جملة ، وحسن هوائها ؛ فالعرب تفضّل البلاد بحسن المقيل ؛ لأنّ وقت القائلة يبدي فساد هواء البلاد ، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسنا حاز الفضل ، وعلى ذلك شواهد.
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (٢٩)
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) يريد : يوم القيامة.
ص : (بِالْغَمامِ) الباء : للحال ، أي : متغيمة ، أو للسبب ، أو بمعنى «عن» ، انتهى. وفي قوله تعالى : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) : دليل على أنّه سهل على المؤمنين ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «إنّ الله ليهوّن يوم القيامة على المؤمن ، حتّى يكون عليه أخفّ من صلاة مكتوبة صلّاها في الدّنيا». وعضّ اليدين هو فعل النادم ؛ قال ابن عباس وجماعة من المفسرين : الظالم في هذه الآية عقبة بن أبي معيط ؛ وذلك أنّه كان أسلم أو جنح إلى الإسلام ، وكان أبيّ بن خلف الذي قتله النبي صلىاللهعليهوسلم بيده يوم أحد خليلا
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٨١) برقم (٢٦٣٣١) ، وذكره البغوي (٣ / ٣٦٦) ، وابن عطية (٤ / ٢٠٧) ، والسيوطي (٥ / ١٢٢) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٨٢) برقم (٣٦٣٣٦) عن إبراهيم النخعي ، (٣٦٣٣٧) وابن جريج ، (٣٦٣٣٥) وابن عباس ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٠٧) ، وابن كثير (٣ / ٣١٥) عن ابن عباس ، والسيوطي (٥ / ١٢٣) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وعزاه لابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وأبي نعيم في «الحلية» عن إبراهيم النخعي.