وقوله سبحانه : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) قال ابن عباس (١) : بوعظهم ، ويحتمل : بشرفهم ، وهو مرويّ.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) الخرج والخراج بمعنى ، وهو : المال الذي يجبى ويؤتى به لأوقات محدودة.
وقوله سبحانه : (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) يريد ثوابه ، ويحتمل أن يريد بخراج ربك : رزقه ، ويؤيّده قوله : (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
و «الصراط المستقيم» دين الإسلام ، «وناكبون» : أي : مجادلون ومعرضون ، وقال البخاريّ : (لَناكِبُونَ) : لعادلون ، انتهى.
قال أبو حيان (٢) : يقال : نكب عن الطريق ونكّب بالتشديد ، أي : عدل عنه ، انتهى ، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لو زال عنهم القحط ، ومنّ الله عليهم بالخصب ، ورحمهم بذلك ـ لبقوا على كفرهم ولجّوا في طغيانهم ، وهذه الآية نزلت في المدّة التي أصاب فيها قريشا السنون الجدبة والجوع الذي دعا به النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : «اللهمّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» (٣) الحديث.
(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) ، قال ابن عباس وغيره (٤) : هو الجوع والجدب حتّى أكلوا الجلود وما جرى مجراها ، وروي أنّهم لما بلغهم الجهد ركب أبو سفيان ، وجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالمدينة فقال : يا محمد ، ألست تزعم أنّك بعثت رحمة للعالمين؟ قال : بلى ، قال : قد قتلت الآباء بالسّيف ، والأبناء بالجوع ، وقد أكلنا العلهز (٥) ؛ فنزلت (٦) الآية ،
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٣٤) برقم (٢٥٦٢٦) ، وذكره البغوي (٣ / ٣١٤) ، وابن عطية (٤ / ١٥١) ، والسيوطي (٥ / ٢٥) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٦ / ٣٨٣)
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٣٥) برقم (٢٥٦٣٢) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٥٢)
(٥) العلهز : وبر يخلط بدماء الحلم ، كانت العرب تأكله في الجاهلية ؛ تأكله في الجدب.
(٦) أخرجه النسائي في «التفسير» (٢ / ٩٨ ـ ٩٩) رقم (٣٧٢) ، والطبريّ في «تفسيره» (٩ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦) رقم (٢٥٦٣٢) ، وابن حبان (١٧٥٣ ـ موارد) ، والطبراني (١١ / ٣٧٠) رقم (١٢٠٣٨) ، والحاكم (٢ / ٣٩٤) ، والبيهقي في «الدلائل» (٢ / ٩٠ ـ ٩١) من طريق عكرمة عن ابن عباس.
وصححه ابن حبان ، والحاكم ، ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢٦) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وابن مردويه.