وقوله سبحانه : (فَتَقَطَّعُوا) يريد الأمم ، أي : افترقوا ، وليس بفعل مطاوع ؛ كما تقول : تقطع الثوب ؛ بل هو فعل متعدّ بمعنى قطعوا ، وقرأ نافع (١) : «زبرا» جمع زبور ، وهذه القراءة تحتمل معنيين :
أحدهما : أنّ الأمم تنازعت كتبا منزّلة فاتّبعت فرقة الصحف ، وفرقة التوراة ، وفرقة الإنجيل ، ثم حرّف الكلّ وبدّل ، وهذا قول قتادة (٢) ـ والثاني : أنّهم تنازعوا أمرهم كتبا وضعوها وضلالة ألّفوها ؛ قاله ابن زيد (٣) ، وقرأ أبو عمرو (٤) بخلاف : «زبرا» بضم الزاي وفتح الباء ، ومعناها : فرقا كزبر الحديد ، ومن حيث كان ذكر الأمم في هذه الآية مثالا لقريش ـ خاطب الله سبحانه نبيّه محمدا صلىاللهعليهوسلم في شأنهم متّصلا بقوله : (فَذَرْهُمْ) أي : فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم ، والغمرة : ما عمّهم من ضلالهم وفعل بهم فعل الماء الغمر بما حصل فيه ، والخيرات هنا نعم الدنيا.
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ...) الآية : أسند الطبريّ (٥) عن عائشة أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، قوله تعالى : (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أهي في الذي يزني ويسرق؟ قال : «لا ، يا بنت أبي بكر ، بل هي في الرجل يصوم ويتصدّق وقلبه وجل ، يخاف ألّا يتقبّل منه» (٦).
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٤٧)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٢١) برقم (٢٥٥٣٣) وذكره الغوي (٣ / ٣١١) ، وابن عطية (٤ / ١٤٧) ، والسيوطي (٥ / ٢٠) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة بنحوه.
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٢٢) برقم (٢٥٥٣٧) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٤٧) ، والسيوطي (٥ / ٢٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه.
(٤) ينظر : مصادر القراءة السابقة.
(٥) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٢٢٥) رقم (٢٥٥٦٢)
(٦) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨) كتاب التفسير : باب ومن سورة المؤمنين ، حديث (٣١٧٥) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٠٤) كتاب الزهد : باب التوقي على العمل ، حديث (٤١٩٨) ، وأحمد (٦ / ١٥٩ ، ٢٠٥) ، والطبريّ في «تفسيره» (٩ / ٢٢٥) رقم (٢٥٥٦٠) ، والحاكم (٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤) كلهم من طريق مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن عائشة به.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢١) ، وزاد نسبته إلى الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في «نعت الخائفين» ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».