إسحاق : نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر ، وعيّاش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد (١).
قال* ع* : وذكر عمّار في هذا عندي غير قويم ، فإنه أرفع من طبقة هؤلاء ، وإنما هؤلاء من تاب ممّن شرح بالكفر صدرا ، فتح الله له باب التوبة في آخر الآية (٢) ، وقال عكرمة والحسن : نزلت هذه الآية في شأن عبد الله بن أبي سرح وأشباهه (٣) فكأنه يقول : من بعد ما فتنهم الشّيطان ، وهذه الآية مدنية بلا خلاف ، وإن وجد ، فهو ضعيف ، وقرأ (٤) الجمهور : «من بعد ما فتنوا» ؛ مبنيّا للمفعول ، وقرأ ابن عامر وحده : «من بعد ما فتنوا» ـ بفتح الفاء والتاء أي فتنوا أنفسهم ، والضمير في (بَعْدِها) عائد على الفتنة ، أو على الفعلة ، أو الهجرة ، أو التوبة ، والكلام يعطيها ، وإن لم يجر لها ذكر صريح.
وقوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) : المعنى لغفور رحيم يوم ، «ونفس» الأولى : هي النفس المعروفة ، والثانية هي بمعنى الذّات.
* ت* : قال المهدويّ : يجوز أن ينتصب (يَوْمَ) ؛ على تقدير لغفور رحيم يوم ، فلا يوقف على (رَحِيمٌ).
وقال* ص* : (يَوْمَ) تأتي ظرف منصوب ب (رَحِيمٌ) أو مفعول به باذكر انتهى ، وهذا الأخير أظهر ، والله أعلم.
وقوله سبحانه : (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) ، أي : يجازى كلّ من أحسن بإحسانه ، وكلّ من أساء بإساءته.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٦٥٤) برقم : (٢١٩٥٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٢٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٥١) ، وعزاه لابن جرير ، عن ابن إسحاق بنحوه.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٢٥)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٦٥٤) برقم : (٢١٩٥٥) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٨٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٢٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٥٠) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) ويكون المعنى على قراءة ابن عامر : أنهم هجروا أوطانهم وقد عرفوا ما في ذلك من الشدة ، فيكونون فتنوا أنفسهم.
ينظر : «الحجة» (٥ / ٧٩) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٨٣) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٣٦١) ، و «العنوان» (١١٨) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٤٢٠) ، و «شرح شعلة» (٤٦٠) ، و «حجة القراءات» (٣٩٤) ، و «إتحاف» (٢ / ١٩٠)