وقوله : (فَلا تَلُومُونِي) : يريد : بزعمه ؛ إذ لا ذنب لي ، (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي : في سوء نظركم في اتّباعي ، وقلّة تثبّتكم ؛ (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) : «المصرخ» : المغيث ، والصّارخ : المستغيث ، وأما الصّريخ ، فهو مصدر بمنزلة البريح ، وقوله : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) : «ما» مصدرية ، وكأنه يقول : إني الآن كافر بإشراككم إيّاي مع الله قبل هذا الوقت ، فهذا تبرّ منه ، وقد قال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر : ١٤]. وقوله عزوجل : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : «الإذن» ؛ هنا : عبارة عن القضاء والإمضاء.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ)(٢٦)
وقوله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) : (أَلَمْ تَرَ) : بمعنى : ألم تعلم ، قال ابن عبّاس وغيره : الكلمة الطّيّبة : هي لا إله إلا الله (١) ، مثّلها الله سبحانه بالشّجرة الطّيّبة ، وهي النّخلة في قول أكثر المتأوّلين ، فكأنّ هذه الكلمة أصلها ثابت في قلوب المؤمنين ، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال الزكيّة وأنواع الحسنات هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل العبد ، والحين : القطعة من الزمان غير محدودة ؛ كقوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨] ، وقد تقتضي لفظة «الحين» بقرينتها تحديدا ؛ كهذه الآية ، و «الكلمة الخبيثة» : هي كلمة الكفر ، وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه ، و «الشجرة الخبيثة» : قال أكثر المفسّرين : هي شجرة الحنظل ؛ ورواه أنس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٢) وهذا عندي على جهة المثل ، «اجتثّت» : أي : اقتلعت جثتها بنزع الأصول ، وبقيت في غاية الوهن والضّعف ، فتقلبها أقلّ ريح ، فالكافر يرى أنّ بيده شيئا ، وهو لا يستقرّ ولا يغني عنه ؛ كهذه الشجرة الذي يظنّ بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع ، وهي خبيثة الجني غير باقية.
(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٤٣٧) برقم : (٢٠٦٥٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٣٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٣٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٤٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٩٥) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة إبراهيم عليهالسلام ، حديث (٣١١٩) ، والطبري (١٣ / ٢٠٥) ، وأبو يعلى (٧ / ١٨٢ ـ ١٨٣) برقم : (٤١٦٥) ، والحاكم (٣ / ٣٥٢) ، وابن حبان (٤٦٨) من حديث أنس مرفوعا به ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وصححه ابن حبان.