وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٢٤)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) ، ظاهر هذه المخاطبة : أنها لجميع المؤمنين كافّة ، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة ، وروت فرقة أنها نزلت في الحضّ على الهجرة ، ورفض بلاد الكفر.
وقوله سبحانه : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ...) الآية : هذه الآية تقوّي مذهب من رأى أن هذه الآية والّتي قبلها إنما مقصودهما الحضّ على الهجرة ، وفي ضمن قوله : (فَتَرَبَّصُوا) : وعيد بيّن.
وقوله : (بِأَمْرِهِ) ، قال الحسن : الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله تعالى (١).
وقال مجاهد : الإشارة إلى فتح مكّة (٢) ، وذكر الأبناء في هذه الآية دون التي قبلها ، لما جلبت ذكرهم المحبّة ، والأبناء : صدر في المحبة وليسوا كذلك ، في أن تتبع آراؤهم ؛ كما في الآية المتقدمة ، واقترفتموها : معناه : اكتسبتموها ، ومساكن : جمع مسكن ـ بفتح الكاف : ، مفعل من السّكنى ، وما كان من هذا معتلّ الفاء ، فإنما يأتي على مفعل (بكسر العين) ؛ كموعد وموطن.
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٧)
وقوله سبحانه : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) ، هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعدّد الله تعالى نعمه عليهم ، والمواطن المشار إليها بدر والخندق والنّضير وقريظة وخيبر وغيرها ، وحنين واد بين مكّة والطائف.
وقوله : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ، روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال حين رأى جملته اثني عشر
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ١٨)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣٩) برقم : (١٦٥٨٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٨) ، والبغوي (٢ / ٢٧٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٠٣) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.