فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٥١)
وقوله سبحانه : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) الآية : قال المفسرون : إن هؤلاء الموصوفين بالنّفاق ، إنما هم من أهل عسكر الكفّار ممّن كان الإسلام داخل قلوبهم ، خرجوا مع المشركين إلى بدر ، منهم مكره وغير مكره ، فلما أشرفوا على المسلمين ، ورأوا قلّتهم ، ارتابوا ، وقالوا مشيرين إلى المسلمين : غرّ هؤلاء دينهم.
قال* ع (١) * : ولم يذكر أحد ممّن شهد بدرا بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتّب ابن قشير ؛ فإنه القائل يوم أحد : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) [آل عمران : ١٥٤] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة ، لما وصلهم خروج قريش في قوّة عظيمة ، قالوا هذه المقالة ، ثم أخبر الله سبحانه بأنّ من توكّل عليه ، وفوّض أمره إليه ، فإن عزّته سبحانه وحكمته كفيلة بنصره ، وقوله سبحانه : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ...) الآية : هذه الآية تتضمّن التعجيب ممّا حلّ بالكفّار يوم بدر ؛ قاله مجاهد وغيره ، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم ، وقوله : و (أَدْبارَهُمْ) ، قال جلّ المفسّرين : يريد أستاههم ، ولكنّ الله كريم كنّى (٢) ، وقال ابن عبّاس ، والحسن : أراد ظهورهم وما أدبر منهم (٣) وباقي الآية بيّن.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(٥٤)
وقوله سبحانه : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ...) الآية : الدّأب : العادة في كلام العرب ، وهو مأخوذ من دأب على العمل ، إذا لازمه.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٣٩)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٦٧) برقم : (١٦٢١٥ ـ ١٦٢١٦ ـ ١٦٢١٧) برقم : (١٦٢١٨) عن سعيد بن جبير ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٤٠) ، وعزاه إلى جمهور المفسرين ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٥٦) عن سعيد بن جبير ومجاهد برقم : (٥٠) ، وابن كثير (٢ / ٣١٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٤٦) ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور ، وأبي الشيخ ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٥٤٠)