وقت العاقل فضلة في غير ما خلق له من عبادة خالقه ، والاهتمام بمصالح آخرته ، والاستعداد لمعاده ، أعرف العبيد بجلال مولاه أخلاهم عما سواه ، وأكثرهم لهجا بذكره ، وتعظيما لأمره ، وأحسنهم تأمّلا لآثار صنعته ، وبدائع حكمته ، وأشدهم شوقا إلى لقائه ، ومشاهدته انتهى.
وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج ، عن نفس التصديق : منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكما من أحكام الله عزوجل في القرآن ، فنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم فسمعه ، فآمن به ، زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به ؛ إذ لكل حكم تصديق خاص ، وهذا يترتّب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة ، وترتب زيادة الإيمان بزيادة الدّلائل ، ولهذا قال مالك : الإيمان يزيد ولا ينقص ، ويترتب بزيادة الأعمال البرّة على قول من يرى أنّ لفظة الإيمان واقعة على التّصديق والطاعات ، وهؤلاء يقولون : يزيد وينقص.
وقوله سبحانه : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت ، وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ، ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز ، وينتظر بعد ما وعد به من نصر ، أو رزق ، أو غيره ، وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين ، فجعلها غاية للأمّة يستبق إليها الأفاضل ، ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم بإقامة الصلاة ، ومدحهم بها حضّا على ذلك.
وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ). قال جماعة من المفسرين : هي الزّكاة وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصّلاة ، وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ، ونوافل الخير ، وصلات المستحقين ، ولفظ ابن عبّاس في هذا المعنى محتمل.
وقوله سبحانه : (لَهُمْ دَرَجاتٌ) ظاهره ، وهو قول الجمهور أن المراد مراتب الجنة ، ومنازلها ، ودرجاتها على قدر أعمالهم ، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يريد مآكل الجنة ، ومشاربها ، و (كَرِيمٌ) صفة تقتضي رفع المذامّ ، كقوله : ثوب كريم.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(٦)
وقوله سبحانه : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ...) الآية : اختلف في معنى هذه الآية ، فقال الفرّاء : التقدير امض لأمرك / في الغنائم ، وإن كرهوا كما أخرجك ربّك.
قال* ع (١) * : وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال : هذه الكاف شبّهت هذه القصّة
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٠٢)