(رَبَّنا! أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (١).
وهو قوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٢).
فلما فارقه العقل يصير القلب مقلوبا منكوسا ينسدّ بابه إلى الملكوت والعليين ، وينفتح منه باب إلى سجّين ، فينطبع فيه صور الباطل ، ولا يخطر بباله شيء من الحق ، فإن القلب لادراك الحقائق والمعقولات وانطباعها فيه كالمرآة للمحسوسات ، فإذا كان صافيا نقيا من كدورة الشهوات وظلمة الخطيئات حاذى بوجهه جانب الملكوت ، فينطبع فيه صور الحقائق المركوزة في الألواح السماوية والخزائن الغيبية ، وأما إذا انسدّ بابه الأعلى إلى عليين وانفتح له باب أسفل إلى سجين انطبع فيه صور الأباطيل والانحرافات والعكوس الظلمانية والخيالات الشهوانية ، فلا ينطبع في مرآة قلبه إلا المكر والخديعة وطلب الشهوات وغيرها مما هو من نسخ الظلمات ، فإن القلب سريع التقلب والتحول ، ولذا قيل :
قد سمّي القلب قلبا من تقلّبه |
|
فاحذر على القلب من قلب وتحويل |
وإليه الإشارة بقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٣).
ومبادي هذه الأحوال إختيار الشرور والمعاصي عند الترديد ، ثم المعاشرة مع الفسّاق والظلمة وأعوان الشياطين ، ثم التولّي والتودد لشياطين الإنس والجن كما قال : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٤).
__________________
(١) سورة النساء : ٧٥.
(٢) سورة الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦.
(٣) سورة الأنعام : ١١٠.
(٤) سورة الأعراف : ٣٠.