وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١).
فاذا عمّهم اللطف المقرّب الى الطاعة المبعّد عن المعصية فليس للناس على الله حجّة بعده ، لكنّه قد يخصّ من يعلم أنّه يطيع باختياره لمجرّد اللّطف السابق ببعض الألطاف الذي ليس بواجب عليه كى يوجب زيادة تقريبه الى الطاعة لما يعلم من نيّته بامتثال ما يرد عليه من الأوامر وإن لم يتفضل عليه بهذا القسم من اللطف ، كما أنّه يوكل من يعلم منه المعصية باختياره وإرادته إلى ماهيّا له من اللطف الذي معه إتمام الحجّة وإبلاغ المعذرة من دون أن يتفضّل عليه بالقسم الآخر من اللطف.
ولذا ربما يمثّل لذلك بمولى له عبدان ، أحدهما سلس القياد ، طيّب السريرة ، جميل السيرة ، مطيع لمولاه ، والاخر عاص معاند خبيث الباطن كثير المخالفة لمولاه ولكنّهما مشتركان في القدرة على كلّ من الفعل والترك ، من دون أن يكون هناك شيء يوجب شيئا من الطرفين على أحد العبدين على وجه الإلجاء والاضطرار ، ثمّ إنّ المولى أمرهما بأمر من أوامره ، وقدّم إليهما الوعد والوعيد ، ثمّ تلطّف في الخلوة الى الّذى هو أحبّ اليه عن الآخر لحسن سيرته وطيب سريرته بالرفق والرأفة ، والعطية الخاصّة الموجبة لمزيد رغبته في الامتثال ، ولم يفعل ذلك بالنسبة الى الآخر ، فامتثل الأوّل وخالف الآخر ، فأحسن الى المطيع لعمله ، ووفي له بوعده ، وأدّب العاصي وزجره لمخالفته ، فلا ريب أنّ مثل هذا المولى موصوف بالعدل والفضل ، ولا ينسب إليه شيء من الظلم والقبح.
فإن قلت : ما السبب في هذا اللطف الخاصّ بالنسبة الى العبد الأوّل ، وما المرجّح الّذي خصّه به مع أنّ العاصي كان أولى به.
قلت : إنّ هذا تفضّل من الله ، والله يختصّ برحمته من يشاء ، والمفروض أنّ
__________________
(١) هود : ١١٨.