بين يديه إيّاك نعبد وهو يعلم أنّى أكذب في مقالتي ، فانى رأيت نفسي لاهية بخواطرها عن عبادته ، فبقيت أردّد القراءة من أوّل الفاتحة الى قوله مالك يوم الدين ولا أقدر أن أقول إياك نعبد ، فإنّه ما خلصت لي ، فبقيت أستحيى أن أكذب بين يديه فيمنعني ، فما ركعت حتى طلع الفجر وقد رصّت كبدي ، وما أنا إلّا راحل اليه على حالة لا أرضاها من نفسي. فما انقضت ثالثة حتى مات الشابّ فلمّا دفن أتى الأستاذ الى قبره فسأل عن حاله فسمع صوت الشابّ من قبره وهو يقول : يا أستاذ أنا حيّ عند حيّ لم يحاسبني بشيء ، فرجع الأستاذ الى بيته ، ولزم فراشه مريضا ممّا أثّر فيه حال الفتى فلحق به ، فمن قرأ إيّاك نعبد على قراءة الشابّ فقد قرأ (١).
ثالثها : في تكرير الضمير ، والوجه فيه على ما قيل إمّا التأكيد كما يقال : الدار بين زيد وبين عمرو ، مع جواز الاقتصار بأحدهما ، بأن يقال : الدار بين زيد وعمرو ، ومنه تكرار لا النافية في قوله تعالى : (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) (٢) وما يستوي الأحياء (وَلَا الْأَمْواتُ) (٣) ، وتكرير بين في قول عدى بن زيد (٤) :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا |
وردّه في المجمع بأنّ التكرير إنّما يكون إذا لم يكن محمولا على فعل ثان ، وإيّاك الثاني في الآية محمول على نستعين ومفعول به فكيف يكون تأكيدا (٥).
__________________
(١) الفتوحات المكيّة ج ١ ص ٤٢٥ عن أبى بكر المقرّى محمد بن خلف المعدى الإشبيلى المتوفى (٥٨٦) ه.
(٢) فاطر : ٢١.
(٣) فاطر : ٢٢.
(٤) هو عدى بن زيد بن حمّاد التميمي الشاعر الجاهلى من أهل الحيرة مات سنة (٣٥) قبل الهجرة ـ معجم المؤلفين ج ٦ ص ٢٧٤.
(٥) مجمع البيان ج ١ / ٢٦.