عبيده عن تبعيض الصفقة.
وأنّه يمكن إرادة التفخيم والتعظيم ، إذا المقام وإن استدعى الذلّه والانكسار تحقيقا للعبوديّة ، إلّا أنّ فيه إشعارا بأنّه لا فخر للعبد إلّا في عبوديته ، ولذا قيل : كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا ، فينبغي الافتخار لعبوديّته ، فكأنّ من يعبده ، ويعظّمه ويجلّله يبتدأ أوّلا بتعظيم نفسه بتحقّقه في مقام العبوديّة.
وأنّه لو كان العبد قال : إيّاك أعبد لكان يشمّ منه رائحة الاستقلال الذي ربما يؤدّى الى العجب وتعظيم العبادة فأدرج نفسه في زمرة العابدين من الملائكة والجنّ والإنس إشعارا بأنّه واحد من جملتهم ، كى يكون أقرب الى التواضع والانكسار.
وذكر ابن العربي في الفتوحات : أنّ العارف ينظر الى تفصيل عوالمه ، وانّ الصلاة قد عمّ حكمها جميع حالاته ظاهرا وباطنا لم ينفرد بذلك جزء عن آخر ، فإنه يقف بكلّه ، ويركع كذلك ، ويسجد كذلك ، ويجلس كذلك ، فجميع عالمه على عبادة ربّه ، طالبا منه المعونة على عبادته ، فجاء بنون الجمع في الفعلين ، فعلم من الحقّ سبحانه لما قيّده بالنون أنه يريد منه أن يعبده بكليّته ، ويستعين به بكليّته ، ومتى لم يكن المصلّى بهذه المثابة من جمع عالمه على عبادة ربّه كان كاذبا في قراءته ، فإن الله ينظر اليه فيراه ملتفتا في صلاته أو مشغولا بخاطره وقلبه في دكّانه وتجارته ، وهو مع هذا يقول : نعبد ، يقول الله له كذبت في كنايتك بجمعيّتك على عبادتي ، ألم تلتفت ببصرك الى غير قبلتك ، ألم تصغ بسمعك الى حديث الحاضرين تسمع ما يقولون. ألم تمش بقلبك وفكرك في سوقك ، فأين صدقك في قولك : نعبد ، فيحضر العارف هذا كلّه في خواطره فيستحقّ أن يقول : إيّاك نعبد لئلّا يقال له كذبت ، فلا بدّ أن يجتمع من هذه تلاوته على عبادة ربّه حتّى يقول الحقّ له : صدقت في جمعيتك على عبادتك وطلب معونتى.
ثمّ قال : روينا في هذا الباب من بعض المعلّمين من الصالحين أنّ شابّا صغيرا