وبالثانية الثاني.
ثمّ إنّ بعض الجبريّة لمّا رأوا فساد مذهبهم وشناعة مقالتهم قسموا الجبر الى أقسام أربعة:
الجبر الجزئي ، وجبر التيقّن ، وجبر التخلّق ، وجبر التحقّق ، فنفوا الأوّل لما فيه من إبطال التكاليف والشرائع كافّة ، ومخالفة الحسّ والضرورة ، وأثبتوا الثلاثة ، مفسرين لها بتوحيد الأفعال والصفات ، وبمرتبة البقاء بعد الفناء كما قيل :
وكلّ الذي شاهدته فعل واحد |
|
بمفردة لكن بحجب الأكنّة |
وفي الحديث القدسي : لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به (١).
قلت : وهو حقّ بالنسبة الى انكار الأوّل ، وأمّا إثبات الثلاثة فعلى تفصيل يأتى اليه الإشارة كما يأتى تمام الكلام إن شاء الله تعالى في مسألة الجبر والقدر في موضع أليق ، وإنّما المقصود في المقام الإشارة الى دلالة الآية.
ثانيها : في إيثار الجمع على ضمير الوحدة في الفعلين ، بل وفي الثالث المتعقب لهما في سؤال الهداية.
وذلك إمّا باعتبار الحفظة والكرام الكاتبين ، والمعقّبات الّذى من خلفه ومن بين يديه (٢) ، وغير ذلك من الملائكة الموكّلين بحفظه وبحفظ أعماله وأفعاله وأعضائه وجوارحه وقواه ومشاعره ، وقبضات وجوده والمأمورين بإيصال الفيوض والإمدادات إليه من جميع الجهات في كلّ العوالم في جميع المراتب والوسائط.
وإمّا باعتبار جميع الأجزاء والجزئيات ، وقبضات الوجود الّتي تركّب منها
__________________
(١) أصول الكافي كتاب الايمان والكفر باب من أذى المسلمين واحتقرهم ح ٧ و ٨ ـ بحار الأنوار ج ٦٧ / ٢٢.
(٢) اقتباس من الآية (١١) من سورة الرعد.