فضلا عن قلبه وفؤاده إلى أن يغيب عن نفسه ، ويذهل عن حسه فضلا عن غيره فيكون كما قيل :
جنوني فيك لا يخفى وناري فيك لا تخبو |
|
فأنت السمع والأبصار والأركان والقلب |
وحينئذ فيضمحلّ من أنانيته ، ويحيى حياة طيبة بالتوجه إلى ربه ، ويصير قلبه وعاء لمشيته ، ومحلا لإرادته ، فيفعل بإرادته ما يشاء في التكوين ، ولا يشاء إلا ما يشاء الله رب العالمين.
وهذا هو تجلي الرب له بصفة الربوبية المشار إليه في العلوي «تجلى لها ربّها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت وألقى في هويتها مثاله فأظهر منها أفعاله» (١).
وهذا المقام الذي هو نهاية قوس الإمكان إنما يحصل بالتحقق في مقام العبودية التي كنهها الربوبية إذ مربوب في عالم الملك والملكوت حسبما سمعت ، وهو الفقر الكلي الإقبالي الذاتي الذي افتخر به سيد الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : «الفقر فخري وبه أفتخر على الأنبياء من قبلي» (٢).
ومن ثم اشتقت العبودية من الحروف الثلاثة التي مر تفسيرها في كلام مولانا الصادق عليهالسلام ، بل إنما ذكر ذلك التفسير في ذيل الكلام المتقدم (٣).
ومن هنا يظهر وجه أولوية إطلاق العبد على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا
__________________
«قال الله : ما تحبب إلى عبدي بشي أأحب إلي مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبب إلي بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ، يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته».
(١) البحار : ج ٤٠ / ١٦٥.
(٢) بحار الأنوار : ج ٦٩ ، ص ٣٠ و ٤٩.
(٣) مصباح الشريعة : باب (١٠٠).