** (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العاشرة .. في هذه الآية الكريمة وما بعدها الكلام فيها مجزأ بعضه من قولهم ـ أي المخاطبين ـ وبعضه من قول الله عزوجل .. فالذي جاء على لسانهم قولهم : خلقهن وما بعده من قوله سبحانه. قال الزمخشري : وصف الله تعالى ذاته الكريمة بهذه الصفات .. ولما سيق الكلام كله سياقة واحدة حذف الموصوف من كل منهم وأقيمت الصفات المذكورة في كلام الله مقامه كأنه كلام واحد فلما وقع الانتقال من كلامهم ـ أي على لسانهم ـ إلى كلام الله عزوجل على ما عرف من الافتنان في البلاغة فجاء أوله على لفظ الغيبة وآخره على الانتقال منها إلى التكلم في قوله تعالى في الآية الكريمة التالية : فأنشرنا به : أي فأحيينا بالماء .. كل ذلك افتنان من أفنان البلاغة.
** (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة. المعنى : قالوا : الملائكة : بنات الله فجعلوهم جزءا له وبعضا منه سبحانه وتعالى عن ذلك فهو عزوجل لم يلد ولم يولد. قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير : تفسير الجزء بالإناث. وادعاء أن «الجزء» في لغة العرب هو اسم للإناث .. وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه فعلا فقالوا : أجزأت المرأة .. ثم صنعوا تأكيدا لقولهم بيتا من الشعر :
إن أجزأت حرة يوما فلا عجب |
|
قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا |
أجزأت المرأة : إذا ولدت بنتا. وفي رواية : إن أجزأت حرة وهو اسم امرأة. أما «المذكار» فمعناه المرأة التي عادتها ولادة الذكور وكذلك الرجل. وقولهم : الملائكة : بنات الله : جعلوهم جزءا له سبحانه وبعضا منه كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له وهي صفات المخلوقين لا يجوز وصف الخالق ـ جلت قدرته ـ بها. فإن الانسان القائل بذلك لشديد الكفر.
** (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة .. أي وإذا بشر أحدهم بأنثى ولدت له صار وجهه مسودا من الغم بمعنى : كان أحدهم إذا قيل له : قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب ويمسك على الخبر ولا يبيحه. و «كظيم» من صيغ المبالغة ـ فعيل بمعنى فاعل ـ بمعنى : ممسك على الغم لا ينشره. من قولهم : كظم الرجل على القربة ـ يكظمها ـ كظما .. من باب «ضرب» بمعنى : شد فمها بالكظام وهو الرباط .. ومثله : كظم غيظه : أي اجترعه فهو كظيم والغيظ مكظوم ـ اسم مفعول ـ وربما قيل : كظمت على الغيظ وكظمني الغيظ فأنا كظيم ومكظوم. و «ظل» بمعنى : صار كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها. وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت :
ما لأبي حمزة لا يأتينا |
|
يظل في البيت الذي يلينا |
غضبان أن لا نلد البنينا |
|
ليس لنا من أمرنا ماشينا |
وإنما نأخذ ما أعطينا |
والقول الكريم «بما ضرب للرحمن مثلا» معناه : بالجنس الذي ضربه للرحمن مثلا أي الولد فإنه لا بد أن يماثل أباه .. المراد : بأنثى ولدت له. ولفظة «مسودا» اسم مفعول من