رأسه كان ممتثلا بفعل ما يصدق عليه مسمى المسح ؛ وليس في لغة العرب ما يقتضي أنه لا بد في مثل هذا الفعل من مسح جميع الرأس ، وهكذا سائر الأفعال المتعدية نحو : اضرب زيدا أو أطعنه. فإنه يؤخذ المعنى العربي بوقوع الضرب أو الطعن على عضو من أعضائه ؛ ولا يقول قائل من أهل اللغة ومن هو عالم بها ، إنه لا يكون ضاربا إلا بإيقاع الضرب على كل جزء من أجزاء زيد ، وكذلك الطعن وسائر الأفعال. فاعرف هذا المعنى يتبين لك ما هو الصواب من الأقوال في مسح الرأس.
فإن قلت : يلزم مثل هذا في غسل الوجه واليدين والرجلين؟ قلت : تلزم لو لا البيان من السنة في الوجه ، والتحديد بالغاية في اليدين والرجلين ، بخلاف الرأس ، فإنه ورد في السنة مسح الكل ومسح البعض (١).
(وَأَرْجُلَكُمْ) : قرأ نافع بنصب الأرجل ، وهي قراءة الحسن البصري والأعمش ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بالجر ، فقراءة النصب تدل على أنه يجب غسل الرجلين ، لأنها معطوفة على الوجوه والأيدي ، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ، والفصل بالممسوح بين المغسولات يفيد وجوب الترتيب في تطهير هذه الأعضاء ، وعليه الشافعي.
وقراءة الجر تدل على أنه يجوز الاقتصار على مسح الأرجل ، لأنها معطوفة على الرؤوس ، وإليه ذهب ابن جرير الطبري ، وهو مروي عن ابن عباس (٢).
__________________
(١) حديث صحيح : رواه مسلم (٢٧٤) ، عن المغيرة مرفوعا قوله : «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه».
(٢) قال الأزهري : «من قرأ (وأرجلكم) نصبا عطفه على قوله «اغسلوا وجوهكم وأيديكم» أخر ومعناه التقديم : وقد رويت هذه القراءة عن ابن عباس ، وبها قرأ الشافعي ، ورويت عن ابن مسعود ، وهي أجود القراءتين : لموافقتها الأخبار الصحيحة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في غسل الرجلين».
ومن قرأ (وأرجلكم) عطفها على قوله «وامسحوا برؤوسكم» وبيّنت السنة أن المراد بمسح الأرجل غسلها ، وذلك أن المسح في كلام العرب يكون غسلا ، ويكون مسحا باليد ، والأخبار جاءت بغسل الأرجل ومسح الرؤوس ، ومن جعل مسح الأرجل كمسح الرؤوس خطوطا بالأصابع فقد خالف ما صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ويل للعراقيب من النار» و «ويل للأعقاب من النار». وأخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري أنه قال : المسح عند العرب يكون غسلا ، فلا بدّ من غسل الرجلين إلى الكعبين. (معاني القراءات ص ١٣٩ ، ١٤٠) ومادة مسح من تهذيب اللغة للأزهري.
وانظر : كفاية الأخبار للحصني رضي الله عنه (ص ٢٥) ـ.