فقد ثبت غسلهما بالسنة الصحيحة (١) ، والخلاف في الوجوب وعدمه معروف. وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في مؤلفاته ك «المختصر» و «شرحه» و «نيل الأوطار» (٢).
(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) : إلى الغاية. وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها فمحل خلاف ، وقد ذهب سيبويه وجماعة إلى أن ما بعدها إن كان من نوع ما قبلها دخل وإلا فلا. وقيل : إنها هنا بمعنى مع. وذهب قوم إلى أنها تفيد الغاية مطلقا ، وأما الدخول وعدمه فأمر يدور مع الدليل.
وقد ذهب الجمهور أن المرافق تغسل ، واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد الله قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه». ولكن القاسم هذا متروك ، وجده ضعيف (٣).
(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) : قيل الباء زائدة ، والمعنى امسحوا رؤوسكم ؛ وذلك يقتضي تعميم المسح لجميع الرأس ، وقيل : هي للتبعيض ، وذلك يقتضي أنه يجزىء مسح بعضه.
واستدل القائلون بالتبعيض بقوله تعالى في التيمم (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) [النساء : ٤٣] ولا يجزىء مسح بعض الوجه اتفاقا ، وقيل : إنها للإلصاق ، أي ألصقوا أيديكم برؤوسكم ، وعلى كل حال فقد ورد في السنة المطهرة ما يفيد أنه يكفي مسح بعض الرأس ، كما أوضح الشوكاني ذلك في مؤلفاته (٤) ، فكان هذا دليلا على المطلوب غير محتمل كاحتمال الآية ، على فرض أنها محتملة ، ولا شك أن من أمر غيره أن يمسح
__________________
(١) منها : ما رواه أبو داود (١٤٤) ، عن لقيط بن صبرة.
وما رواه البخاري (١ / ٢٦٣) ومسلم ، (٢٣٧) عن أبي هريرة مرفوعا.
وانظر : فتح الباري للحافظ (١ / ٢٦٢) فإن فيه فوائد.
(٢) انظره في (١ / ١٧١ ، ١٨١) ، وكذلك السيل الجرّار (١ / ٨١ ، ٨٢).
(٣) رواه الدارقطني في «سننه» (١ / ٨٣) ، والبيهقي في «الكبرى» (١ / ٥٦).
(٤) ذكر الشوكاني الاختلاف في المسألة ثم قال : وبعد هذا فلا شك في أولوية استيعاب المسح لجميع الرأس وصحة أحاديث ولكن دون الجزم بالوجوب مفاوز وعقبات اه. وانظر : نيل الأوطار (١ / ١٥٥ ، ١٥٧).
وقال المصنف في «الروضة الندية» : «والسنة الصحيحة وردت بالبيان ، وفيها ما يفيد جواز الاقتصار على مسح البعض في بعض الحالات». (١ / ٣٧ ، ٣٨).